يطعن الكثير من الشيعة في روايات كفر أبي طالب التي في الصحيحين, وهذا الطعن مردود إذ مبني على التعصب والهوى المذهبي ، وعلى عدم الأمانة العلمية وإذا اجتمع التعصب وعدم الأمانة في النقد أصبح البحث أو النقد مردودا لا قيمة له ..
وهذه كتبهم تشهد بذلك, ففي تفسير القمي : علي بن إبراهيم في تفسيره قوله تعالى: { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [ القصص:56 ] ، قال: نزلت في أبي طالب فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: يا عم قل لا إله إلا الله أنفعك بها يوم القيامة ، فيقول يابن أخي أنا أعلم بنفسي فلما مات شهد العباس بن عبد المطلب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه تكلم بها عند الموت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أما أنا فلم أسمعها منه وأرجوا انفعه يوم القيامة .. تفسير القمي (( 2 / 142 )) , (( القصص ص: 56 )) والبرهان (( 3 / 230 )) .
وقال فضل الله الراوندي (الشيعي) في كتابه " نوادر الراوندي " (ص10): ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهون أهل النار عذاباً عمي أخرجه من أصل الجحيم حتى أبلغ به الضحضاح عليه نعلان من نار يغلى منهما دماغه ).
وقال المجلسي نقلاً عن ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: اختلف الناس في إسلام أبي طالب فقال الإمامية والزيدية: ما مات إلا مسلماً وقال بعض شيوخنا المعتزلة بذلك منهم : الشيخ أبو القاسم البلخي وأبو جعفر الإسكافي وغيرهما، وقال أكثر الناس من أهل الحديث والعامة ومن شيوخنا البصريين وغيرهم: مات على دين قومه ويرون في ذلك حديثاً مشهوراً : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عند موته: قل يا عم كلمة أشهد لك بها غداً عند الله تعالى، فقال: لولا أن تقول العرب أن أبا طالب جزع عند الموت لأقررت بها عينك، وروي إنه قال: أنا على دين الأشياخ ! وقيل: إنه قال: أنا على دين عبد المطلب وقيل غير ذلك .
وروى كثير من المحدثين أن قوله تعالى:{ مَا كَانَ لِلنَّبِىّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلىِ قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَـبُ الْجَحِيم وَ مَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَهِيم لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبِيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لّلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [ التوبة: 113-114]، أنزلت في أبي طالب لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغفر له بعد موته .
ورووا أن قوله تعالى:{ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} نزلت في أبي طالب .
ورووا أن علياً(ع) جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! بعد موت أبي طالب فقال له: إن عمك الضال قد قضى فما الذي تأمرني فيه ؟ واحتجوا به لم ينقل أحد عنه أنه رآه يصلي، والصلاة هي المفرقة بين المسلم والكافر، وأن علياً وجعفرا لم يأخذا من تركته شيئا .
ورروا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إن الله قد وعدني بتخفيف عذابه لما صنع في حقي وإنه في ضحضاح من نار . ورووا عنه أيضاً إنه قيل له: لو استغفرت لأبيك وأمك فقال: لو استغفرت لهما لاستغفرت لأبي طالب فإنه صنع إليّ مالم يصنعا ،و أن عبد الله وآمنة وأبا طالب في حجرة من حجرات جهنم . انظر كل ذلك في البحار (( 35 / 155 )) .
قلت: والأدهى والأمر إنهم لم يفعلوا ذلك في آباء الأنبياء كآزر الذي ذكره القرآن بأنه كافر، بينما عقيدة القوم زعمت بأنه ليس كافر وأن الآية نزلت في عمه !!
كما إنهم يستدلون ببعض الروايات في كتب السنة تدل كما يزعمون على إيمان أبي طالب :
الشبهة الأولى : يحتج الشيعة برواية إبن إسحاق : ( قال ابن إسحاق حدثني العباسُ بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس ... إلي أن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي عم قلها ـ أي كلمة التوحيد ـ استحل لك بها الشفاعة يوم القيامة، فأجابه أبو طالب: يا ابن أخي، والله ـ لولا مخافة السبة عليك وعلى بني أبيك من بعدي، وأن تظن قريش أنني إنما قلتها فزعا من الموت، لقلتها، ولا أقولها إلا لأسرك بها ، فلما تقارب الموت من أبي طالب، نظر العباس إليه فوجده يحرك شفتيه، فأصغى إليه بأذنيه ثم قال: يا ابن أخي لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لم أسمع ) . السيرة النبوية لابن هشام (( 2 / 28 ))
نقول : إسناده فيه مجاهيل فالسند مبهماً لا يعرف حاله وهو قوله عن بعض أهله وهذا إبهام في الاسم والحال، ومثله يتوقف فيه لو انفرد.. عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس ثقة لكنه لم يذكر من حديثه عن ابن عباس ومن طريقه رواه الحاكم في المستدرك (( 2 / 432 )) من طريق عباس بن عبد الله بن معبد عن أبيه عن ابن عباس. ومن طريق الحاكم رواه البيهقي في الدلائل (( 2 / 346 )) عن عباس بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس . ( تنبيه ) : في سؤال العباس عن حال أبي طالب ما يدل على ضعف ما أخرجه ابن إسحاق من حديث ابن عباس بسند فيه من لك يسم " أن أبا طالب لما تقارب منه الموت بعد أن عرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لا إله إلا الله فأبى, قال فنظر العباس إليه وهو يحرك شفتيه فأصغى إليه فقال : يا ابن أخي, والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها " وهذا الحديث لو كان طريقه صحيحاً لعارضه هذا الحديث الذي هو أصح منه فضلاً عن أنه لا يصح. وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود من حديث علي قال : " لما مات أبو طالب قلت : يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات, قال : اذهب فواره. قلت : إنه مات مشركاً, فقال اذهب فواره " الحديث .. ووقفت على جزء جمعه بعض أهل الرفض أكثر فيه من الأحاديث الواهية الدالة على إسلام أبي طالب ولا يثبت من ذلك شيء . والحديث رواه البيهقي في الدلائل (( 2 / 346 )) وقال : " هذا إسناد منقطع ولم يكن أسلم العباس في ذلك الوقت " .
الشبهة الثانية : هي حديث رواه القاضي عياض في كتاب الشفاء (( 1 / 183 )) : ( أن أبا طالب كان يرى بطلان عقيدة قومه من مبعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام، فقد ثبت ـ كما سبقت الإشارة ـ أنه كان من المتألهين الحنفاء، الذين لم يهيموا بصنم قط، ولم يسجدوا لوثن أبدا، كما كان على ذلك أبوه عبد المطلب تماما ) .
نقول أن هذا ليس دليل على إيمان أبي طالب, فقد روي أن الأخنس بن شُريق التقى بأبي جهل بن هشام فقال له : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادقٌ هو أم كاذب ؟ فإنه ليس عندنا أحدٌ غيرنا فقال أبو جهل : والله إن محمداً لصادق وما كذب قط, ولكن إذا ذهب بنو قصيّ باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش ؟ فأنزل الله تعالى { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك } [الأنعام : 33] .. تفسير الرازي الكبير (( 12 / 205 )) وصفوة التفاسير (( 1 / 383 )) .
الشبهة الثالثة : كيف يكون كافراً من نصر النبي صلى الله عليه وسلم وحماه وذاد عنه ودفع أذى الكفارعن ابن أخيه ، وفعل أموراً عجز عنها الكثيرون ، فهل تتجرأ أن تقول عليه هذه المقولة الشنيعة ، مع العلم أنه كان على دين الحنيفية ، دين إبراهيم ! وقال في حقه النبي صلى الله عليه وسلم : ( والله ما نالت مني قريش ما أكرهه حتى مات أبوطالب ) .
نقول أعمال أبي طالب مذكورة ومعلومة في التاريخ ، والرجل لا يُعد من أهل الإسلام إلا بنطق الشهادتين للدلالة على ما في القلب من إقرار وتصديق .
الشبهة الرابعة : كيف يكون عم النبي صلى الله عليه وسلم كافراً ؟!
نقول وماذا يضر المرء إن كفر أهله أو أحد أبنائه أو إحدى زوجاته ، والله يقول : { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [القصص : 56] ، وهؤلاء الأنبياء وهم صفوة الخلق حصل لهم مثل هذه الأمور ، ولم يقدح ذلك في سيرتهمِ ، أو أن يحط من قدرهم والله سبحانه يقول : { إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْببْتَ وَلَكِنّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ } [فاطر : 18], فهذا الأمر ينبغي علينا أن لا نستنكر وقوعه ، لأنه قد وقع للأنبياء السابقين فنوح أحد أبنائه وأيضاً زوجته في النار لكفرهما ، وهذا إبراهيم والده كافر ، وامرأة لوط في النار ، وعم المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أنزلت بسببه سورة ندعو عليه بها وأنه في النار ، فالأمر بيد الله سبحانه يهدي مَنْ يشاء ويضل مَن يشاء .
الشبهة الخامسة : كيف يشفع النبي صلى الله عليه وسلم لمشرك, مع أن الشفاعة للمؤمنين فقط دون المشركين ؟؟
نقول إن للرسول صلى الله عليه وسلم شفاعة عامة، وهي شفاعته العظمى، وهي على قسمين: شفاعته لأمته، وشفاعة لآحاد الناس، وشفاعته العظمى، هي المقام المحمود، والذي قال عنه: { عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً } [الإسراء: 79] وذلك حين يبلغ الكرب والغم بأهل المحشر ما لا يطيقون، فيقول بعضهم ألا تنظرون من يشفع لكم عند ربكم فيأتون آدم فيعتذر وهكذا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى حتى يأتون إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فيشفع لجميع الناس، أولهم وآخرهم، وبرهم وفاجرهم، ليخرجوا من ذلك الكرب والهول، إلى عرض الأعمال على الله والمحاسبة كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة فشفاعته العظمى ليست مقصورة على المؤمنين، ولا على أمته.
أما شفاعته الخاصة لأمته فهي نائلة كل من مات من أمته لا يشرك بالله شيئاً، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً" ومن شفاعته الخاصة ببعض الأفراد شفاعته لعمه أبي طالب، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وذكر عنده عمه فقال: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه" .
وقد أستشكل قوله صلى الله عليه وسلم " لعله تنفعه شفاعتي" مع قوله تعالى عن المشركين: { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } [المدثر:48] وللجمع بينهما طريقان الأول: أن يقال: إن الشفاعة ممنوعة لكل كافر بهذه الآية، الطريقة الثانية: أن يقال إن المراد بكونهم لا تنفعهم شفاعة الشافعين: هو أنهم لا يخرجون بها من النار وليس المراد أنهم لا يخفف عنهم، وخص أبو طالب بالشافعة لثبوت الحديث الصحيح الذي خصص العموم، قال ابن حجر في فتح الباري ( وأجيب بأنه- يعني أبا طالب- خص ولذلك عدوه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل معنى المنفعة في الآية يخالف معنى المنفعة في الحديث، والمراد بها في الآية الإخراج من النار، وفي الحديث المنفعة بالتحقيق، وبهذا جزم القرطبي وقال البيهقي في البعث، صحت الرواية في شأن أبي طالب، فلا معنى للإنكار من حيث صحة الرواية، ووجهته عندي أن الشفاعة في الكفار قد امتنعت لوجود الخبر الصادق في أنه لايشفع فيهم أحد وهو عام في حق كل كافر، فيجوز أن يخص منه من ثبت الخبر بتخصيصه…
الشبهة السادسة : هي قولهم أن أبا طالب قال ( الإبل لي والبيت له رب يحميه ) ويستدلون أيضاً ببعض أشعار أبي طالب والتي تفيد أنه مقّر بوجود الله وكل هذا يدل على إيمانه بالله .
نقول أن هذا الكلام ذكره الله تعالى حكاية عن المشركين, فهذا توحيد الربوبية وهو اعتقاد العبد أن الله تعالى هو الرب المنفرد بالخلق والرزق والملك التدبير وانه المحيي المميت النافع الضار المنفرد بإجابة الدعاء عند الأضطرار الذي له الأمر كله وبيده الخير وكله القادر على ما يشاء ليس له في ذلك شريك ويدخل في ذلك الأيمان بـ ( القدر ) وهذا التوحيد لا يكفي العبد في حصول الإسلام بل لابد أن يأتي بلازمة من توحيد الألهيه لأن الله تعالى حكى عن المشركين أنهم مقرون بهذا مقرون بهذا التوحيد لله وحده قال تعالى: { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون } [يونس : 32]