إتحاف الكرام البررة بشرح نواقض الإسلام العشرة
لفضيلة الشيخ العلامة: صـــــــــــالح بن سعد السحيمي – حفظه الله -
شريطان مفرغان ألقاهما الشيخ خلال الدورة العلمية بمحافظة ينبع بتاريخ شعبان 1426هجرية
قام بالتفريغ أبو عبد الله يوسف برقاوي الزاكوري المغربي – غفر الله له -
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَ أَنتُم مُّسْلِمُونَ "آل عمران102
" َيا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَ خَلقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَ بَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَ نِسَاءً وَ اتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَ الأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " النساء1
" يَا أَيُّهَا الَّذَينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَ قُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَن يُطِعِ اللهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمَا " الأحزاب71 .
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم و شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار . إخوتي وأحبتي في الله، بادئ ذي بدء، نحمد الله تبارك وتعالى ونشكره على نعمه الظاهرة و الباطنة ونحمده تبارك وتعالى على ما منَّ به من دحر فئة الخوارج كلاب النار في الليلة الماضية الذين استباحوا دماء المسلمين وأموالهم بغير حق والذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم :<كلاب النار> [تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 3347 في صحيح الجامع] . فهم جديرون بهذه التسمية ؛ أخافوا الآمنين وروعوا المسلمين وأساءوا إلى الإسلام وقدموا خدمة لأعداء الإسلام لم يقدمها حتى اليهود والنصارى منذ مئات السنين فالحمد لله الذي دحرهم وقضى عليهم ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : <كلما ظهر منهم قرن قطع حتى يظهر في عراضهم الدجال >[سنن ابن ماجةرقم174 قال الشيخ الألباني :حسن ] ونسأل الله تعالى أن يكتب إخواننا من رجال الأمن الذين قتلوا في هذا الواجب , نسأل الله أن يكتبهم في الشهداء ,فإن لهم بشارة من النبي و هو قوله صلى الله عليه وسلم :<شر قتلى قتلاهم (يعني كلاب النار) وهم شر قتلى تحت أديم السماء وخير قتيل من قتلوه >[جامع الترمذي رقم3000 قال الشيخ الألباني :حسن صحيح] فنرجو الله أن يكتبهم في الشهداء – نحن نرجو لهم الشهادة –لا نجزم مثل أولئك الذين يجزمون للملا حدة بأنهم شهداء ، لكن نقول : نرجو الله أن يكتب إخواننا هؤلاء مع الشهداء. فإنهم حريون بذلك إنشاء الله تعالى . نسأل الله أن يتغمدهم برحمته ، وأن يخزي هذه الزمرة . وقد ثبت أن عليا رضي الله عنه – يا إخوتي – كان يقنت على الخوارج كلاب النار خدام اليهود و النصارى ، اللذين يتلقون الفتاوى من كهوف الجبال ومن الإنترنت ومن حثالات القاطنين تحت مظلة{ تادشر} . فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى أن يرينا عجائب قدرته في بقيتهم وأن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر . ونقول لمن يبرر لهم أو يتعاطف معهم أو يسكت عنهم أو لا يسميهم بأسمائهم ؛ يعني بألقابهم ،لا يسميهم بالخوارج ؛ يتورع من أن يسميهم .أقول:عليك أن تفهم دينك الصحيح وأن تعرف عمن تأخذ دينك- يا عبد الله- الدين لا يؤخذ عن هؤلاء المارقين كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم ,ولا عمن يفتيهم ولكن يؤخذ عن العلماء الربانيين الذين ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين و انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين . وأود- و خصوصا من رجال العلم و التعليم – أن يضعوا النقاط على الحروف ,و أن تكون هناك مكاشفة . على الخطباء الذين يدعون ورعا ،لا يريدون أن يتكلموا فيهم ولا يسمونهم ولا يلقبونهم بما لقبهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم. و لا يسمونهم بالخوارج وإنما يبررون لهم ويرون أن هذا مجرد خطأ , بل هؤلاء كلاب النار كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. فاتقوا الله يا رجال التعليم , و حصِّنوا أولادكم , حصِّنوا أولادنا , حصِّنوا أولاد المسلمين من هذا الفكر , طهروا المكتبات من كتب القوم التي تهيجهم ، طهروا المكتبات من الأشرطة الفاسدة التي تدعو الناس إلى الجهاد المزيف . الجهاد باق إلى يوم القيامة . ومن أن أنكر الجهاد فقد كفر , لكن بشروطٍ ومقومات معينة نص عليها أهل العلم ، أما جهاد هؤلاء فإنه جهاد في سبيل إبليس وفي سبيل الكفرة ، وما قدموا إلا خدمة للكفرة من الماسونيين و الصهاينة والملاحدة والغربيين . فضعوا النقاط على الحروف يا رجال التعليم ، واتقوا الله تبارك وتعالى في خطبكم ، وخاطبوا الناس بمنهج السلف الصالح الذي هو كالشمس في رابعة النهار، ليس فيه تجمعات من وراء الكواليس ، ليس فيه خفاء ، ليس فيه تجمعات في كهوف الجبال ، ليس فيه أمر خفي . المنهج الحق منهج أهل السنة والجماعة أوضح من الشمس في رابعة النهار ؛ فاجتهدوا أهل العلم وطلبة العلم في بيان الحق للناس بدليله حتى لا يُتًخَطف شبابُنا من حيث لا نشعر من قِبَل هؤلاء المارقين كلاب النار الخوارج الذين هم شر قتلى تحت أديم السماء . نسأل الله تعالى أن يخزيهم وأن يرينا فيهم عجائب قدرته ، واسمحوا لي بتقديم هذه المقدمة فإن القلب ليعتصر و يتقطع عندما يرى هذا الرعب وهذا الترويع الذي يفعله هؤلاء في بلد المقدسات ، وفي معقل الإسلام ، وفي الحصن الحصين ، وفي البقية الباقية للإسلام .
فإن من يبرر أو يكتم أو يسكت أو يتستر أو على الأقل لا يبين الحق بدليله في هذه القضايا إنه ينطبق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : < من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة >[سنن أبي داود رقم3658 قال الشيخ الألباني : حسن صحيح] وقول النبي صلى الله عليه وسلم : < لعن الله من آوى محدثا >[ تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 5112 في صحيح الجامع]. نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يعلي كلمته ، وأن ينصر كتابه ودينه وسنة نبيه وعباده الصالحين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
و نبدأ الآن في الدرس , الذي لا شك أن أخي أبا مالك - وفقه الله - قد درسكم إياه . فلن أضيف لكم جديدا، غير أنني أردت أن أشارك مع إخوتي طلبة العلم في تدارس هذه القضايا المهمة. والإسلام الذي يقوم على توحيد الله عز وجل أساسا و ابتداءً لا على التهريج و التهييج الذي يقوم عليه الفكر المنحل المنحرف. وكلكم يعرف التهريج والتهييج. فالمقصود – يا عبد الله – أن ندرس كتب أهل العلم وأن نؤصل و أن نبين للناس منهج السلف الصالح من خلال الدروس التي تقام بدلا من الجعجعة وبدلا من بعض التهريج و التهييج الذي لا يفيد الأمة شيئا، الذي ربما نقلهم من بعض المعاصي إلى ما هو أعظم منها من البدع و الخرافات و الخزعبلات، فعلينا أن نتقي الله عز وجل وأن نتنبه لهذا، الإسلام - يا عبد الله- له نواقص وله نواقض . النواقص: تتمثل في ركوب بعض المنكرات التي لا تبلغ حد الكفر , كمن قصر في واجب أو ارتكب محرما من غير استحلال وهو معترف بذنبه , ويعتقد أنه مسيء , وأنه عاص, فهذه نواقص . إذا لم تبلغ حد الكفر و الشرك بالله عز وجل . و النواقص بريد النواقض ؛ فالتساهل بالمعاصي واستمراؤها و تعود المرء عليها ربما يحيلها بعد حين إلى استحلال وإلى مروق من دين الله عز وجل . فعلينا أن نحذر منها لأن المعاصي بريد الكفر ؛كما قال أهل العلم . أما النواقض : فهي التي يبطل معها الإسلام , و القاعدة عند أهل العلم انطلاقا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: < الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق و الحياء شعبة من الإيمان >[ تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 2800 في صحيح الجامع ] الإيمان الذي هو قول و عمل واعتقاد ، و الذي العمل جزء منه ؛ إذ أن العمل ركن الإيمان فلا إيمان بلا عمل غير أن هذا الإيمان الذي هو شعب ودرجات ومراتب كما وصف الله عز وجل مراتب المؤمنين بقوله : [ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ]. [فاطر 32] . أعلى تلك المراتب ؛ السابقون بالخيرات : وهم الذين يفعلون الواجبات ويتركون المحرمات و يتزودون من التطوعات ، وهم أهل الإحسان : الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : < أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك >[سنن أبي داود وغيره قال الشيخ الألباني : صحيح] . والمرتبة الثانية : المقتصدون : وهم المقتصرون على فعل الواجبات واجتناب المحرمات ، وهؤلاء دون أولئك ، لكن الطائفتين كلتيهما تدخلان الجنة قطعا . وإن كانت الأولى أعلى من الثانية . والطائفة الثالثة : الظالمون لأنفسهم : وهم المؤمنون المبتلون ببعض المعاصي التي دون الشرك والكفر. وهؤلاء يترتب عليهم أربعة أحكام – يجب أن نعيها ونفهمها-
1) أنهم لا يخرجون من ملة الإسلام ؛ فلا يكفرون كما تعتقد الخوارج و كلاب النار.
2) أنهم لا يعطون اسم الإيمان بالكلية ولا يسلبون مطلق الإيمان ، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "لا يسلبون مطلق الإيمان ولا يوصفون بالإيمان المطلق " . يعني لا يسلبون الإيمان فيحكم عليهم بالكفر كما تفعل الخوارج ، ولكن لا يعتقد أنهم كاملوا الإيمان
كما تعتقد من؟ المرجئة . لا يسلبون مطلق الإيمان ولا يوصفون بالإيمان المطلق ، وهذا هو العقيدة الوسط و إنما يقال مؤمنون عصاة أو يقال مؤمن فاسق أو يقال مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته أو يقال مؤمن ناقص الإيمان . وهم أهل النواقص وليسوا من أهل النواقض.
3) الحكم الثالث الذي يترتب على هؤلاء : أن من وافى منهم بمعاصيه – أعني من المؤمنين الذين هم {الظالمون لأنفسهم}- أن من وافى منهم بمعصيته فهو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له بفضله إن شاء عذبه بعدله كما قال الله جل وعلى : {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء } .
4 ) الحكم الرابع : أنهم إذا عذبوا بمشيئة الله تعالى وعدله فإنهم لا يخلدون في النار ، بل يخرجون منها – أعوذ بالله وإياكم من النار – بعد تمحيص وتطهير . وبناء عليه فإن من مسائل الإيمان ما إذا ترك خرج به - بتركه - ذلكم التارك من الإيمان بالكلية وهو من لم يحقق الشهادتين ؛من لم ينطق بالشهادتين ولم يحققهما يعني حتى لو قالهما لكنه قد يأتي بما يناقضهما وهذا محل إجماع لا نزاع فيه ولذلك يقول الله جل وعلا:{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ }محمد19. ومثل ترك الصلاة تهاونا على الصحيح أما تركها جحدا فهذا كافر بإجماع علماء الإسلام وتركها تهاونا كفر أيضا في أصح قولي أهل العلم لوضوح الأدلة على كفر تارك الصلاة مطلقا : <العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر>[ تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 4143 في صحيح الجامع] ومع هذا لا نغمز العلماء الذين يرون غير هذا الرأي فإن هذا اجتهادهم الذي توصلوا إليه لنصوص عامة اعتمدوا عليها لكن مع هذا فإن القول الذي يترجح بالأدلة أن تارك الصلاة ولو كان تهاونا ليس بمسلم وهناك أعمال دون ذلك تركها ينقص الإيمان الواجب أي لا يتحقق به الإيمان الكامل وإنما يوصف صاحبه بأنه مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته وهم المرتكبون لبعض المنكرات المعترفون بذنوبهم دون الصلاة بطبيعة الحال كما هو الراجح والثالث ما ينقص بتركه الإيمان المستحب كإماطة الأذى عن الطريق وفي حديث شعب الإيمان ما يدل على هذه الأمور الثلاثة. هذه المقدمة أحببت أن أقدمها بين يدي الدرس لعلها تجعل طالب العلم يفهم الفرق بين النواقص و النواقض . ونبدأ درسنا على بركة الله تفضل : المتــــــــــــــن :
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - : بسم الله الرحمان الرحيم . اعلم أن نواقض الإسلام عشرة نواقض :
الأول : الشرك في عبادة الله تعالى ، قال الله تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }[ النساء 48] وقال: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) } [ المائدة]. ومنه الذبح لغير الله ، كمن يذبح للجن أو للقبر .
الشرح :
هذه النواقض العشرة استنبطها أهل العلم بالاستقراء . شأنها شأن كثير من التقسيمات التي ترونها في كتب العقيدة وكذا الحال في كتب الفقه وغير ذلك . يعني لو اعترض معترض قال: كيف يحدد النواقض أنها عشرة ؟ وهذه أمهات المسائل و إلا قد يكون تحت كل ناقض نواقض أخرى تندرج تحت هذه النواقض العشرة فتحديدها بالعشرة إنما هو ثابت بالإستقراء باستقراء كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . أولها وأعظمها وأخطرها هو الإشراك بالله لأن أحد ركني الإيمان هو الإخلاص لله عز وجل فمن أشرك بالله فقدْ فقَدَ ماذا؟ فقد الإخلاص بل فقد التوحيد بالكلية والتوحيد. يضاده الشرك . ولذلك فإنه لا يصح توحيد العبد إلا بولاء وبراء إلا بتحقيق النفي والإثبات و هو معنى لا إله إلا الله ؛[ لا إله]: نفي لكل ما يعبد من دون الله .و [إلا الله]: إثبات للعبادة لله وحده لا شريك له . ولذلك يقول الله عز وجل :{ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163 }الأنعام162-163. فالإشراك بالله أعظم ذنب عصي به الله عز وجل . كيف لا وهو صرف حق الله لغيره . أنا أضرب لكم مثلا ولله المثل الأعلى لو أن إنسانا جاء إلى مالك ؛ نقود أو مثلا مواشي أو نحو ذلك .فأخذها وأعطاها لزيد من الناس بغيا وعدوانا ما يكون حالك ؟ ألا تثأر لحقك الذي سلب منك قهرا ؟ فالله تعالى لا يعصى قهرا لكن الله عز وجل قد بين الطريق السوي للناس: { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }[ الكهف29] . فصرف حق الله لغيره هو أعظم ذنب عصي به الله عز وجل . قال الله تبارك وتعالى :{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }[ النساء 48] وقال تبارك وتعالى : { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) }[الحج31] . وقال جل وعلا : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) }[الأحقاف5-6] . وقال تعالى : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) } [ المائدة]. والشرك له مظاهر شتى وعلى رأسها ما يقع فيه كثير ممن يدعي الإسلام في هذه الأزمنة ؛من تعلق بأصحاب القبور وسؤالهم قضاء الحاجات و كشف الكربات و إزالة الملمات . تجده يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت ويأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر ويصل الرحم ويبر الوالدين ويفعل كل شيء ، ثم يأتي ويقضي على ذلك كله بكلمة واحدة ؛ يأتي عند صاحب القبر ويقول : مدد يا فلان ؛ إنتهى كل شيء .شيلله يا فلان، يعني أعطني شيئا لله يا فلان ؛ مسح كل شيء . كما يقول المشركون القدامى :[ لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكا هو لك تملك وما ملك] . ومن أخص وأخطر أنواع الشرك ؛ الشرك في الدعاء . و هو ما نشاهده الآن عند القبوريين فتجده إذا ألمَّت به ملمة يتوجه إلى غير الله عز وجل ففي أحلك الظروف يقول : مدد يا فلان ، و قد اتفق لي أني كنت في إحدى البلاد الإسلامية فجنحت السيارة التي نركبها إلى اليمين بسبب انفجار إطارها ولم نسمع من الركاب عندما كادت السيارة أن تنقلب إلا يا شيخ فلان ، يا شيخ عبد القادر ، يا شيخ مرغني ، يا شيخ تيجاني ، يا شيخ فلان وهم من المنتسبين إلى الإسلام . فنسوا ربهم و الحال هذه وهم في أحلك الظروف لذلك فإنهم أشد شركا من المشركين الأولين فالدعاء خطير، في غاية الخطورة ولذلك يقول الله جل وعلا: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) }[الأحقاف5-6]. ومن ذلك الذبح، فتجد بعض المنتسبين إلى الإسلام في بعض البلاد الإسلامية - ما عدا هذه البلاد التي منَّ الله عليها بهذه الدعوة المباركة ، دعوة صاحب هذا الكتاب و إلا والله لنكونن مثلهم أو أشد ؛ من عبادة القبور . فقد قضي على تلك العبادات منذ أكثر أو نحو ثلاثة قرون ولله الحمد والمنة ؛ فسويت القباب بالأرض ، وسويت القبور بالأرض ،ولم يتعلق بها من دون الله جل وعلا فتجده يربي العجل أو الخروف حتى يصبح ما شاء الله تبارك الله؛ كبيرا . ثم يأتي به ويذبحه على أعتاب قبر ذلكم الولي الذي يعبده من دون الله . بل تجده يخافه أكثر مما يخاف الله عز وجل . وقد ذكر لي أحد الإخوة ممن منَّ الله عليهم بالتوحيد وكان ممن يقع في هذه الشركيات . يقول إن في بلادنا أمرا عجيبا ؛ يقول إن السارق أو المتهم بأي تهمة يأتون به في المحاكم فيقسم الأيمان المغلظة أنه لم يسرق و لم يرتكب هذه الجريمة . فإذا أرادوا منه أن يعترف فعلا ؛ أتوا به في مقصورة قبر ذلكم الشيخ أو الطاغوت الذي يتعلق به من دون الله فقالوا : الآن تقسم بالشيخ أنك لم تسرق . وهنا ماذا يحصل ؟ يعترف ، يعترف لماذا ؟ هناك مسألة في التوحيد إسمها إيش؟ خوف السر : وهو أنه يخاف هذا الولي أكثر مما يخاف الله جل وعلا ، بأغلوطة شيطانية ألقاها الشيطان في روعه ؛ وهي أنه يقول إن الله غفور رحيم فلو حلفت به ألف مرة أستغفره فيغفر لي، أما الشيخ فلان ؛ الولي فلان لا يغفر ينتقم فورا . نسأل الله العافية والسلامة . الشرك الآن منتشر وهو أعظم المنكرات و العجب من كلاب النار الخوارج أنهم يدعون أنهم يعترضون على المنكرات و ينكرون المنكرات، ولا شك أن المنكرات يجب أن تنكر بالطرق الشرعية التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم . لكنهم لا ينكرون على أحد ذلكم الشرك الأكبر . فتجد أسيادهم الذين علموهم هذه الفتاوى الضالة يؤيدون الطواف بالقبور و الذبح لها[لأهلها] والنذر لأهلها ، فلا يحركون ساكنا . بينما يجندونهم وكأنهم ليس لهم عدو على وجه الأرض إلا هذه البلاد :المملكة العربية السعودية ، الذي حماها الله تعالى وحفظها بحمايتها للتوحيد ولحمى التوحيد . فلا حول ولا قوة إلا بالله . فالشرك أعظم ذنب عصي به الله ، وهو أخفى فينا من ذبيب النمل في الليلة المظلمة على صفاة سوداء ، فلنحذر من الشرك ، لاسيما وأنه منتشر منذ القرن الرابع الهجري، وهو منتشر في الأمة يزيد يوما بعد يوم . فتجد في كثير من بلاد المسلمين قبابا تعبد ، وقبورا تشيد ، وينذر لأهلها ، ويذبح لهم من دون الله ، ويقسم بهم الأيمان المغلظة عند الشدائد وعند الملمات . ولذلك فإنه يجب أن نعرف الشرك لأمور: الأمر الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيقع في هذه الأمة . من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : { لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى }[تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 7683 في صحيح الجامع] وقوله صلى الله عليه وسلم : { لا تقوم الساعة حتى ترى نساء دوس تضطرب إلياتهن عند ذي الخلصة }[متفق عليه] . وقوله صلى الله عليه وسلم : { لا تقوم الساعة حتى تعبد فئام من أمتي الأوثان و تلحق فئام من أمتي بالمشركين }[ تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 1773 في صحيح الجامع]. والأحاديث في هذا الباب كثيرة . والأمر الثاني : أن المسلم مطالب بمعرفة الشر ليجتنبه ، لا نعني بمعرفته ؛ تعلمه وتعليمه وإنما معرفة مضاداته للتوحيد، ومعرفة المعاني التي من أجلها عُلِمَ أنه يُضاد التوحيد . يقول حذيفة - رضي الله عنه - : { كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني} [متفق عليه]. و ثالثا : الواقع الذي يشاهد في كثير من بلاد المسلمين ؛ من الوقوع في الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله لمن مات عليه . بل إنك قد تسمع الشرك أحيانا من بعض الوافدين أمام قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أو عند زيارتك لقبور المسلمين في بقيع الغرقد . أو عند شهداء أحد أو نحو ذلك . فهناك من يطلب المدد ، وهناك من يطلب الغوث ، وهناك من يطلب الولد ، وهناك من يطلب التوفيق والنجاح من غير الله تبارك وتعالى يظن أن أصحاب القبور يملكون ذلك ، وهم لا يملكون ذلك حتى ولو كانوا أنبياء أو رسلا أو ملائكة أو نحو نحو ذلك . من هنا فإن هذا هو أعظم ناقض من نواقض الإسلام ، فلنحذر منه ولنبتعد عنه . و هو نوعان : أكبر و أصغر . الأكبر : صاحبه خالد مخلد في النار ، وخارج من ملة الإسلام . أما الأصغر : فإنه قد يجر إلى الأكبر ؛ كقول الرجل أو المرء : ما شاء الله و شئت أو و شاء فلان ، أو لولا الله وفلان ، وكيسير الرياء ؛ أما إذا تحول العمل كله إلى رياء فهو شرك أكبر . وكالحلف بغير الله ؛ إن لم يعتقد أن المحلوف به قادر على ما لم يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى . فإن اعتقد أن المحلوف به يتصرف مع الله أو يقدر على ما لا يقدر عليه إلا الله فإنه شرك أكبر . أما إن جرى على لسانه تبعا لعادة الآباء والأجداد ولا يعتقد في ذلك فإنه شرك أصغر . هذا هو أعظم ناقض للدين لأنه لا يتفق مع معنى لا إله إلا الله . ولذلك يقول الله جل وعلا :{ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)} البقرة256. نعم . المتـــــــــــــــــــــــن : قال:
الثاني : من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم ، كفر إجماعاً .
هذا النوع قد يدخل في القسم الأول ؛ وهو الشرك لكن أفرده الشيخ لكثرة وقوع الناس فيه خاصة. كمن يطلب الشفاعة من الموتى، أو يجعل بينه وبين الله وسائط يزعم أنها تقربه إلى الله. كما قال الله حكاية عن المشركين :{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }[الزمر3] أنت لو سألت عباد القبور الآن الذين يستغيثون بأهلها ويرجونهم قضاء الحاجات وكشف الكربات ؛ لماذا يا عبد الله تستغيث بالقبور ؟ قال لك هذا توسل ، توسل فقط ، نحن نتوسل بهم إلى الله . وقد قال الخرافي المشرك داعية الشرك في هذه الأيام المسمى بالجفري في شريط عندي موجود قال :" كيف تنكرون علينا أن نتخذ عباد الله المقربين وسطاء بيننا وبين الله ، والله عز وجل شرع لنا أن نتخذ الجمادات وسطاء ؟" كيف يا أيها المشرك ؟ يقول :" ألم يشرع الله لنا الطواف في الحج بالكعبة ؟ أليس هذا توسطا بالكعبة عند الله؟ ألم يشرع الله لنا المبيت بمنى وبالمزدلفة والوقوف بعرفة ؟ أليس هذا توسطا بهذه الجمادات عند الله ؟" وهكذا يضرب هذه الأمثلة مما يدل على أنه أجهل مكن حمار أهله والعياذ بالله . وهناك من يطبل له ويزمر له ، وبعض مكتباتنا ودور التسجيلات تمتليء من كتبه وأشرطته ، والعجيب أن كثيرا من مراكز الدعوة في داخل المملكة لا تتكلم عن هذه القضايا ، بينما تقيم الدنيا وتقعدها في أمور أخرى ، لا شك أن إنكار المنكر واجب. لكن أنكر المنكرات و أعظم المنكرات هو ماذا ؟ هو الشرك بالله عز وجل ، ولكن الكثير منهم لا يتكلم يوما عن الشرك أبدا . فلنتنبه يا إخواني لهذا ؛ ابدؤوا بما بدأ الله به ؛ وهو الدعوة إلى توحيد الله عز وجل { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ }[محمد18]. فإذن اتخاذ الشفعاء والوسطاء من دون الله عز وجل من أعظم نواقض الإسلام لأنها شرك بالله تبارك وتعالى . والله عز وجل يقول في وصف المشركين : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ }[ يونس 18] . و أنبه في باب الشفاعة - لعلي أختصر المسألة في ضرب مثل والسؤال عنه - هناك ثلاثة أصناف : لو قال قائل : الشفاعة يا رسول الله . و ثان قال : اللهم إني أتوسل إليك بنبيك صلى الله عليه وسلم . وثالث قال : اللهم ارزقني شفاعة نبيك أو لا تحرمني من شفاعة نبيك أو اشملني بشفاعة نبيك . ما حكم هذه الأقوال الثلاثة ؟ - استوعبتموها يا إخواني ؟ - ثلاثة أشخاص ؛ واحد قال : اشفع لي يا رسول الله ، أغثني يا رسول الله ، الشفاعة يا رسول الله . الثاني قال : اللهم إني أتوسل إليك بنبيك ، أو أتوجه إليك بجاه نبيك . الثالث قال : اللهم لا تحرمني من شفاعة نبيك ، اللهم اشملني بشفاعة نبيك ، اللهم ارزقني شفاعة نبيك ، أو نحو ذلك . فما حكم هذه الكلمات الواردة -أريد الجواب منكم بسرعة - ... الأول : شرك ، و هو إذا قال : الشفاعة يا رسول الله ، هذا شرك أكبر يخرج من ملة الإسلام ، لا يقبل الله من صاحبه صرفا ولا عدلا إلا أن يسلم من جديد . و الثاني : بدعة ؛ لأنني مرة سمعت واعظا يعظ الناس فيذكر التوسل مثل : اللهم إني أتوسل إليك بنبيك ، ويقول إن هذا مشرك خالد مخلد في النار، وهذه مشكلة أيضا و فيها خلط ؛ هذا العمل لا شك أنه خطير ولكنه ليس بشرك وإنما هو ماذا ؟ بدعة من البدع ؛ التي لا تخرج من دائرة الإسلام لاشك أن البدع خطيرة بل قد يجر هذا الكلام في نهاية المطاف إلى ماذا؟ إلى الشرك . لكن إذا اقتصر على هذا الكلام لا نقول إنه مشرك، وإنما نقول إنه ماذا؟ مبتدع . الثالثة : إذا قال اللهم ارزقني شفاعة نبيك ، أو لا تحرمني شفاعة نبيك أو نحو ذلك ، فهذا هو التوحيد المحض هذا هو التوحيد لأنك تسأل الشفاعة من الله كما قال الله جل وعلا : { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر44] وقال تبارك وتعالى : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [ البقرة255] لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لا يشفع حتى يستأذن الله عز وجل في الشفاعة . إذن طلب الشفاعة من الموتى شرك أكبر بالله عزو جل حتى ولو كان هذا الميت نبيا من الأنبياء أو صالحا من الصالحين . نعم . تفضل:
المتـــــــــــــــــــن:
الثالث : من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر .
الثالث : من لم يكفر المشركين ، أو صحح مذهب المشركين ،حتى ولو شك في ذلك بعد قيام الحجة عليه فإنه يكفر بذلك . قول النبي صلى الله عليه وسلم : [من لم يكفر الكافر فهو كافر ] . فالشخص الذي يقول إن سؤال أهل القبور قضاء الحاجات ليس بشرك؛ هذا يكفر . أو شخص يقول: يحب المشركين ويمجدهم ويتعاطف معهم ويود أن ينتصروا على المسلمين . هذه الموالاة الشركية . وهناك موالاة محرمة دون ذلك - لعله يأتي لها تفصيل في مقام آخر إن شاء الله - لكن المهم أن نعلم أن مودة المشركين وموالاتهم الموالاة التي هي ناتجة عن حب قلبي فإن ذلك كفر بالله جل وعلا ،كفر بالله. وكذلك لو شك في ذلك؛ لو شك في كفر الكافرين فقد كفر بالله جل وعلا . قد يقول قائل : هل يوجد أحد الآن لا يكفر الكفار ولا يكفر المشركين؟ أقول لك نعم هناك الملاحدة القائلون بوحدة الأديان. صرح أحدهم قبل بضعة أشهر في إحدى القنوات - والعجيب أن هذا الذي صرح بهذا التصريح الإلحادي كان قبل ذلك بسنتين على النقيض ؛ كان تكفيريا ؛ كان يكفر من يشرب البيبسي أو يلبس( البترة البيضاء) وهو (منصور من كيدان)- وقد سمعت تصريحه بنفسي وسألت سماحة المفتي فقال: إن هذه ردة . ماذا قال؟ يقول: إن الدين هو ما يدين به المرء أيا كان ؛ فما يعتقده المرء هو الدين، ثم وضح ذلك بقوله : وبناء عليه فإنني لا أكفر يهوديا ولا نصرانيا ولا بوذيا ولا شيوعيا . فهذا لم يكفر الكافر بل يعتقد أن دين الكافر صحيح. وينطبق عليه هذا الناقض الثالث : من لم يكفر الكافر فهو كافر ، ولكن لو أن مسلما توقف في تكفير بعض الفرق ؛ مثل الخلاف في تكفير الخوارج وإن كانت النصوص أكثرها تدور على تكفيرهم ، وشيخنا الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى - سمعته قبل وفاته بسنة ونحن بالطائف يكفرهم ، وعامة النصوص تدل على ذلك ومع ذلك فإنني ممن يتوقف في الحكم عليهم بالتكفير كما توقف علي رضي الله عنه بقوله : من الكفر فروا ، و الله أعلم بحالهم وإن كان في الحقيقة النفس تميل إلى أنهم يخرجون من الدين لاستحلالهم دماء المسلمين و أموالهم و لكثرة النصوص التي تدل على مروقهم من الدين . و لكن عند المسلمين قاعدة : لأن أخطأ في عدم تكفير كافر - طبعا المقصود بعدم تكفير كافر ممن يدعي الإسلام ، أما الكافر المعروف من يهودي أو نصراني أو شيوعي أو بوذي أو هندوكي ؛ هذا من لم يكفره فهو كافر . لكن من توقف في تكفير بعض الفرق هذا يطبق هذه القاعدة : لأن أخطأ في عدم تكفير كافر أحب إلي من أن أخطئ في تكفير مسلم . . فانتبهوا إلى هذه المسألة الدقيقة عند كثير من أهل العلم ، لأن من دخل في الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين . و مع أنني أميل إلى تكفير الخوارج - يعني الميل العام - لكن مع ذلك أتوقف في الحكم عليهم، لا شك أنهم من أخطر الناس على الأمة في هذا الزمن .
المتـــــــــــــــــــــن :
الرابع : من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه ، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه - كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه - فهو كافر .
الرابع : الذي يعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم . أو أن القوانين الوضعية أفضل من شريعة الإسلام . أو أن حكم الجاهلية خير من حكم الإسلام . فلا شك في كفره و مروقه من الدين ، بل لو اعتقد التسوية بين حكم الله وحكم الطاغوت كما سيأتي تفصيله فهو كافر أيضا ، بل لو استحل - مع اعتقاده بأن حكم الله أفضل - لكنه استحل الحكم بغير ما أنزل الله فهو كافر أيضا . ولعلي هنا أفصل قليلا في هذه المسألة - في مسألة الحاكم و الحاكمية - : و الذي يبدو أن الناس في هذا الباب خمسة أصناف- أعني من حكم بغير ما أنزل الله - : خمسة أصناف ؛ ثلاثة أصناف يكفرون يمرقون من الدين . و صنفان أرى أنهما لا يكفران . بل هما مثل سائر أصحاب المعاصي . 1 الأول : شخص جاهل فحكم حكما و لم يكلف نفسه أن يرجع إلى حكم الله جل وعلا مع اعتقاده أنه الحق ؛ فهذا عاص و آثم حتى و إن أصاب حكم الله صدفة - يعني دون اجتهاد - . يعني شخص جاهل يتطفل على العلم فيصدر الأحكام جزافا و يعتقد أن حكم الله هو الحق لكنه لم يكلف نفسه الإجتهاد في الوصول إلى حكم الله . 2الثاني : رجل علم حكم الله و اعتقد أنه الحق واعتقد أن حكم الطاغوت باطل و أن حكم القوانين باطل غير أنه غلبه هواه أو شهوته ؛ كمن يأخذ الرشوة مثلا ؛ كأن يكون قاضيا يأخذ رشوة ،أو أن يكون شخصا يحكم بالقوانين الوضعية من أجل طلب القوت والعيش كالقضاة في المحاكم أو الدور التي لا تحكم شرع الله، أو غلبه هواه أو ميله إلى شخص معين فحكم لصالحه وهو يعلم ويعتقد أنه ماذا ؟ أنه مذنب - انتبهوا إلى هذا القيد - ؛ يعتقد أنه مذنب ويعتقد أنه عاص ؛ بل ربما تؤنبه نفسه و يتمنى أنه لم يفعل لكن غلبه هواه و غلبته شهواته . فحكم بغير ما أنزل الله . فمثل هذين الصنفين حكمهما حكم مرتكب ماذا ؟ حكم مرتكب المعاصي اللذين وقعوا في ارتكاب المعاصي من غير استحلال . فمثل هؤلاء لا شك أنهم على خطر لكن لا يكفرون . أعيد ما هما الصنفان اللذان لا يكفران؟ : الأول: شخص حكم بجهله - مع اعتقاده أن حكم الله هو الحق و هو يريده ولكنه لم يبحث عنه - فمثل هذا شأنه شأن العصاة غير المستحلين . ومثله شخص حكم بغير ما أنزل الله تحت غلبة الهوى أو الشهوة ؛ من أخذ رشوة أو محاباة أو نحو ذلك . فهذان الصنفان لا يخرجان من ملة الإسلام حيث لم يستحلا ذلك بل يعاملان معاملة سائر مرتكبي المعاصي التي دون الكفر و دون الشرك . أما الصنف الثالث والرابع و الخامس؛ 3 - الثالث : استحل حكم غير الله ؛ استحل الحكم بغير ما أنزل الله ،و إن اعتقد أن حكم الله أفضل. لكنه يستحل ؛ يرى أنه - يعني - يجوز أن يحكم بغير ما أنزل الله واعتقد ذلك فلا شك في كفره و مروقه من الدين . 4 -الثاني {يعني من الصنف الذي يكفر } : شخص اعتقد التسوية : يقول لا فرق إن حكمت بالشريعة أو حكمت بالقانون كل ذلك جائز ، فهذا أيضا يكفر و يمرق من الدين. 5 - الثالث{ يعني من الصنف الذي يكفر }: شخص اعتقد فضل الطاغوت أو فضل حكم الطاغوت على حكم الله جل وعلا ؛كاللذين أقصوا الشريعة بالكلية بدعوى أنها لا تصلح للتطبيق في هذا العصر . وأن العصر قد تغير و أنه يجب التطور ومن هذا التطور إقصاء ماذا؟ إقصاء الشرع ، إقصاء حكم الله جل وعلا . فلا شك أن هذه الأصناف الثلاثة كفرة مارقون من دين الله عز وجل . أرجو أن يفهم هذا التفصيل لألا يختلط الأمر على الناس . و هو تفصيل مشايخنا كالشيخ ابن باز و غيره من مشايخنا وفقهم الله عز وجل . وقد سبقهم إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم بل وابن عباس في فهم قول الله عز وجل : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}[ المائدة 44]{فأولئك هم الظالمون } {فأولئك هم الفاسقون }. فقالوا : كفر دون كفر ،و ظلم دون ظلم ،و فسق دون فسق . نعم . تفضل المتــــــــــــــــــــن:
قال الخامس : من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به ، كفر إجماعا والدليل قوله تعالى :{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ }محمد 9
الخامس : من أبغض شيئا من الدين ؛ أبغض السنة ؛ أبغض أهل السنة من أجل تطبيقهم للسنة بعد قيام الحجة عليه .أبغض الصلاة و هو يعملها لكن يكرهها ، أبغض الزكاة حتى ولو طبقها أبغض الصوم حتى ولو طبقه ، أبغض الواجبات حتى ولو طبقها ،كره أن يعملها لأن قلبه مريض؛ هذا يكفر إجماعا بإجماع المسلمين , وقد بين الله تبارك وتعالى كفر من كره ما أنزل الله :{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ }محمد 9 . و الثانية : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (2 }محمد28 . فمن أبغض شيئا من الدين أو من مسائل الدين فإنه يكفر إجماعا للأدلة التي سمعناها . [ هنا توقف الشيخ في شرحه من أجل الإجابة عن الأسئلة على أن يكمل في الشريط الموالي ]
الشريط الثاني: بسم الله الرحمان الرحيم ، إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين . أما بعد ؛ قبل أن نبدأ درسنا إخواني أرجو ألا ننسى صاحب هذا الكتاب [نوا قض الإسلام ] من الدعاء الخالص لله عز وجل أن يجزيه خير ما يجزي به عالما عن أمته ، لأن لو تأملنا واقع العالم الإسلامي اليوم ، بل لو خرجنا من هذه البلاد إلى أي بلد مجاور لرأينا تلك القباب التي تعبد من دون الله وتلك القبور التي تشيد ويحج إليها كما يحج إلى الكعبة ويذبح لها وينذر لها. وقد كانت بلادنا قبل ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - هو وعضده و سنده بعد الله الإمام محمد بن سعود و من جاء بعده من حكام هذه الدولة المباركة الذين كانوا ردءا للدعوة فأزيلت تلك المظاهر الوثنية التي كانت أكثر مما هو موجود في تلك البلاد و بخاصة حول المسجد النبوي وفي البقية، وعلى قبور الشهداء وكثير من الأماكن بل وفي الرياض نفسها كقبر زيد بن الخطاب ، وما من مكان إلا و كانت فيه قباب تعبد ويحج إليها ويذبح لها وينذر لها وتعبد من دون الله . فجزى الله هذا الشيخ عنا وعن الإسلام خير ما يجزي به عباده الصالحين . ونبدأ الآن بالناقض السادس . تفضل المتــــــــــــــــــــــــــن : قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله تعالى - :
السادس : من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثواب الله أو عقابه كفر ، والدليل قوله تعالى : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }التوبة65-66 .
هذه المسألة في غاية الخطورة لأنها توجد في كثير من الأوساط : الإستهزاء بالدين ، أو الإستهزاء بالمسلمين من أجل دينهم ، أو من أجل تمسكهم بالسنة ، أو الإستهزاء بعلماء الأمة ؛ أمر خطير بل هو كفر إذا كان الإستهزاء من أجل الدين و بالدين ؛ فإذا استهزأ امرؤ و هو يعلم ، أو قد نُبِّه و نُصح واستمر على ذلك الإستهزاء بالدين ، أو بأهله ، أو بالسنة النبوية ، أو بمن يطبقونها ، أو بمن يدعون إليها ؛ فلا شك في كفره . وقد كفر رجل بأقل من مجرد الإستهزاء ؛ بكلمات قد تجري على ألسن بعض الناس ، فقد ثبت أن رجلا قال في غزوة تبوك : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أكبر بطونا ولا أكذب ألسنا و لا أجبن عند اللقاء - يعني النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه - . فنزلت الآية في سورة التوبة ففضحهم الله كما فضح المنافقين ، والصحيح أنه لم يكن منافقا و إنما كفر بهذه الكلمة لأنه لو كان منافقا فكفره ظاهر ، لكن الذي عليه المحققون أنه لم يكن منافقا ، لكنه كفر بهذا . و تقول بعض الروايات إنه تاب بعد ذلك كله . لكن في بداية الأمر وبعد أن فضحه الله عز وجل بقوله : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }التوبة65-66 . و كان يتعلق بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يردد الآية . وقال إنما كنا نخوض ونلعب و نقصر الطريق -يعني كأنها من التسالي - يقصرون بها الطريق . والرسول صلى الله عليه وسلم لا يرد عليه إلا بالآية : { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } التوبة65-66. فلنحذر من هذا الأمر فإنه خطير . و بعض الناس يهزأ أحيانا بالمسلمين من أجل أمور - يعني تمس الدين - فقد يهزأ به من أجل لحيته ، أو من أجل سواكه ، أو من أجل تقصير ثيابه ، أو من أجل لزومه السنة ؛ فإذا كان المقصود بذلك ، الإستهزاءُ من أجل هذه الشعائر فلا شك في كفره . فليتق الله أولئك الذين يتساهلون في إطلاق بعض الكلمات . فما بالكم بمن يصف علماء الأمة و أولياء الله بأنهم علماء الحيض والنفاس أو علماء سلطة أو لا يعرفون إلا ما تحت السراويل أو أنهم غثائية أو أنهم لا يعرفون إلا أحكام كذا وكذا . وأكثر ما يذكر هذا من منظري الطوائف الحزبية البالية التي تستهزئ بالدين وأهله . أحد الكتاب المعاصرين لما سمع حديث أن" ضرس الكافر مثل جبل أحد" [تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 3888 في صحيح الجامع]. - و الحديث في البخاري كما تعلمون - ؛ قال كلمة خطيرة يرتعد قلب حاكيها فكيف بمن يباشر قولها والعياذ بالله . قال: إذا كان الأمر كذلك إذن آلتُه ما حجمها و ما قدرها؟ . ويهزأ بعض الكتاب - الذين يوصفون أنهم كتاب إسلاميون - بالسنن كثيرا أحدهم في كتابه المسمى ‘‘الفقه البدوي ‘‘ يقول :كيف حديث <ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة> ؟ [رواه البخاري] ونحن نرى إنديرا راندي و غولدن مئير و تادشر و أقحم معهم بلقيس . ونقول له : ومن جعل له الغراب دليلا يمر به على جيف الكلاب وهل أفلح هؤلاء النسوة ؟ أي فلاحٍ ؟ - حتى بلقيس رحمها الله التي أسلمت ، قبل أن تسلم هل أفلحت ؟ أما بعد أن أسلمت فقد تركت الملك - . و البعض منهم يهزأ بكل من يطبق السنة فهذا إذا أقيمت عليه الحجة و أصر فإنه يكفر - عياذا بالله - . نعم المتــــــــــــــــــــــــن
قال السابع : السحر ومنه الصرف والعطف فمن فعله أو رضي به كفر والدليل قوله تعالى : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُر }البقرة 102
السحر : ما دق أمره و خفي سببه أو ولطف سببه . وهو عُقد وتعاويذ معينة يستخدمها بعض الشُّذاذ باستخدام الأرواح الخبيثة من الجن ، فيؤثر ويمرض و يفرق بين المرء وزوجه ويقتل ؛ كل ذلك بإذن الله . وله حقيقة قائمة . فإنه يؤثر تأثيرا مباشرا بإذن الله تعالى كما تؤثر العين . و هذه أمور - صحيحٌ أنها غيبية - لكن أخبرنا الله عز وجل أن لها تأثيرا فنحن نصدق بذلك . ومنه نوع تخييلي ؛ يُخيل إلى أعين الناس أن هذا الفنجان قد انقلب إلى ديك أو إلى دجاجة ، أو أن هذا الحجر انقلب إلى ذهب وفضة فهذا تخييل . لكن هناك سحر حقيقي ؛ نوع من السحر حقيقة ثابت تأثيره بإذن الله تعالى ، كما قال جل وعلا : { وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ }البقرة 102 . ومن يتعاطاه يكفر حتى ولو أراد حل السحر بسحر آخر ؛ لأن الغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة و لأن الله عز وجل كفَّر أهل السحر قال تعالى : { وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُر ْفَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ. } [ البقرة 102 ].
وقال تعالى : { وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) }طه69 . و قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ }81يونس. و من الأسباب المادية التي تدل على كفره : أنه لا يؤثر إلا إذا كفر صاحبه بالله ؛ كأن يهين القرآن أو ينجسه أو يعرضه للنجاسات أو يبول عليه أو يسجد لصنم أو نحو ذلك مما تطلب منه تلك الشياطين التي تتعامل معه لتخدمه في تأثير سحره ، فينتج عن ذلك تأثير حقيقي له أثر بإذن الله تبارك وتعالى. بل لقد أثر السحر في النبي صلى الله عليه وسلم -أعني في تصرفاته الدنيوية ولم يمس رسالته وما جاء به من عند الله - لذلك لا حجة عند من ينكرون هذا الحديث عقلا بدعوى أنه كيف يؤثر ذلك وقد عصمه الله حتى يبلغ رسالته ؟ والجواب : أنه أثر في ما يتعلق ببعض تصرفاته الدنيوية ، حتى أنه يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يفعله . و قد وضع له بعض اليهود ذلك السحر في مشط أو مشاطة في جف طلع نخلة و وضعوه تحت صخرة أو رعوفة في بئر ذروان - وهذا ثابت في صحيح البخاري ومسلم – [ البخاري : كتاب بدء الوحي رقم3095 وكتاب الأدب رقم 5716 > فنزلت المعوذتين و قرأهما النبي صلى الله عليه وسلم ورقاه جبريل ورقى نفسه فقام من ذلك وكأنما نشط من عقال بعد أن أوحى الله إليه و أبطل السحر والسحرة وهذا كما قلت لا يتعارض مع الآية { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } المائدة67. الله قد عصمه من أن يقضى عليه أو أن يؤثر ذلك في شيء مما جاء به من عند الله ، علما بأن من العصمة أن الله قد أوحى إليه وفضح هؤلاء السحرة وكشف السحر وهذا في حد ذاته آية من آيات الله وعصمة له صلى الله عليه وسلم . فلا نلتفت إلى بعض أصحاب المدارس العقلية التي تخضع النصوص الشرعية لعقولها وأهوائها ، مثل الذين ينكرون السحر أو ينكرون أو ينكرون الجن أو ينكرون العين أو ينكرون بعض أشراط الساعة ؛ كالدجال و يأجوج و مأجوج و الدابة و نزول عيسى عليه السلام ونحو ذلك مما ينتشر في بعض كتب القوم . وقد اشتُهِر بهذا في هذا العصر محمد عبده الملقب ب"الإمام" الكاتب المصري المعروف، وتلقفه عنه تلميذه الشيخ رشيد رضا - عفا الله عنا وعنه - لأن هذا الرجل في جملته سلفي على منهج أهل السنة والجماعة غير أنه و قع في بعض الشذوذات كإنكار السحر و إنكار نزول عيسى عليه السلام و تأويل مسألة يأجوج و مأجوج و ما إلى ذلك مما زل فيه - عفا الله عنا وعنه - . هو في الحقيقة من دعاة منهج الحق و العقيدة الصحيحة غير أنه وقع في هذا الزلل ، والزلل مردود على صاحبه ولو كان عالما من العلماء . ومما وقع في ذلك المودودي في كتابه "خلافة وملوكية" وهو يتكلم على الدجال ويقول: " إنه إن صحت الأحاديث في المسيح الدجال فإنه مما تكلم فيه النبي صلى الله عليه وسلم باجتهاده ولم يُسدد بالوحي " والعياذ بالله . ثم ليته اكتفى بهذا بل زاد : "إن أحاديث الدجال تدور على رجل نصراني شامي يقال له تميم الداري" من هو تميم الداري ؟ الصحابي الجليل راوي حديث ماذا ؟ " الدين النصيحة " وراوي حديث "الجسَّاسة" وهذا الذي جع