سم الله الرحمن الرحيم
سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين كان الله قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ فأجابهم.
من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما, وفيه: "جئنا نسألك عن هذا الأمر. قال: كان الله ولم يكن شيء غيره, وكان عرشه على الماء". رواه البخاري (كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى :{ وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ }، 1/41. ومن حديث أبي رزين قال : قلت يا رسول الله ! أين ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال : كان في عماء ما تحته هواء، وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء ". رواه الترمذي (التفسير، رقم 310 - وقال : " حديث حسن " -، وابن ماجه في (المقدمة، رقم 13)، وأحمد في المسند " (4/11، 12).
-الحديث كما جاء في صحيح البخاري
(( حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا سفيان، عن جامع بن شداد، عن صفوان بن محرز، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال:
جاء نفر من بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا بني تميم أبشروا). قالوا: بشرتنا فأعطنا، فتغير وجهه، فجاءه أهل اليمن، فقال: (يا أهل اليمن، اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم). قالوا: قبلنا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بدء الخلق والعرش، فجاء رجل فقال: يا عمران راحلتك تفلتت، ليتني لم أقم.))
حدثنا عمر بن حفص بن غياث: حدثنا أبي: حدثنا الأعمش: حدثنا جامع بن شداد، عن صفوان بن محرز: أنه حدثه عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال:
دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعقلت ناقتي بالباب، فأتاه ناس من بني تميم، فقال: (اقبلوا البشرى يا بني تميم). قالوا: قد بشرتنا فأعطنا، مرتين، ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن، فقال: (اقبلوا البشرى يا أهل اليمن، إذ لم يقبلها بنو تميم). قالوا: قد قبلنا يا رسول الله، قالوا: جئناك نسألك عن هذا الأمر، قال: (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض). فنادى مناد: ذهبت ناقتك يا ابن الحصين، فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب، فوالله لوددت أني كنت تركتها.
شرح الحديث من فتح الباري لابن حجر[ 3019 ]
قوله قالوا جئناك نسألك كذا للكشميهني ولغيره جئناك لنسألك وزاد في التوحيد ونتفقه في الدين وكذا هي في قصة نافع بن زيد التي أشرت إليها آنفا قوله عن هذا الأمر أي الحاضر الموجود والأمر يطلق ويراد به المأمور ويراد به الشأن والحكم والحث على الفعل غير ذلك قوله كان الله ولم يكن شيء غيره في الرواية الآتية في التوحيد ولم يكن شيء قبله وفي رواية غير البخاري ولم يكن شيء معه والقصة متحدة فاقتضى ذلك أن الرواية وقعت بالمعنى ولعل راويها أخذها من قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه في صلاة الليل كما تقدم من حديث بن عباس أنت الأول فليس قبلك شيء لكن رواية الباب أصرح في العدم وفيه دلالة على أنه لم يكن شيء غيره لا الماء ولا العرش ولا غيرهما لأن كل ذلك غير الله تعالى ويكون قوله وكان عرشه على الماء معناه أنه خلق الماء سابقا ثم خلق العرش على الماء وقد وقع في قصة نافع بن زيد الحميري بلفظ كان عرشه على الماء ثم خلق القلم فقال اكتب ما هو كائن ثم خلق السماوات والأرض وما فيهن فصرح بترتيب المخلوقات بعد الماء والعرش قوله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض ولم يقع بلفظ ثم الا في ذكر خلق السماوات والأرض وقد روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا أن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة مكان عرشه على الماء وهذا الحديث يؤيد رواية من روى ثم خلق السماوات والأرض باللفظ الدال على الترتيب تنبيه وقع في بعض الكتب في هذا الحديث كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث نبه على ذلك العلامة تقي الدين بن تيمية وهو مسلم في قوله وهو الآن إلى آخره وأما لفظ ولا شيء معه فرواية الباب بلفظ ولا شيء غيره بمعناها ووقع في ترجمة نافع بن زيد الحميري المذكور كان الله لا شيء غيره بغير واو قوله وكان عرشه على الماء قال الطيبي هو فصل مستقل لأن القديم من لم يسبقه شيء ولم يعارضه في الأولية لكن أشار بقوله وكان عرشه على الماء إلى أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم لكونهما خلقا قبل خلق السماوات والأرض ولم يكن تحت العرش إذ ذاك الا الماء ومحصل الحديث أن مطلق قوله وكان عرشه على الماء مقيد بقوله ولم يكن شيء غيره والمراد بكان في الأول الازلية وفي الثاني الحدوث بعد العدم وقد روى أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعا أن الماء خلق قبل العرش وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة أن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء وأما ما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا أول ما خلق الله القلم ثم قال اكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة أي أنه قيل له اكتب أول ما خلق وأما حديث أول ما خلق الله العقل فليس له طريق ثبت وعلى تقدير ثبوته فهذا التقدير الأخير هو تأويله والله أعلم وحكى أبو العلاء الهمداني أن للعلماء قولين في أيهما خلق أولا العرش أو القلم قال والأكثر على سبق خلق العرش واختار بن جرير ومن تبعه الثاني وروى بن أبي حازم من طريق سعيد بن جبير عن بن عباس قال خلق الله اللوح المحفوظ مسيرة خمسمائة عام فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش اكتب فقال وما أكتب قال علمي في خلقي إلى يوم القيامة ذكره في تفسير سورة سبحان وليس فيه سبق خلق القلم على العرش بل فيه سبق العرش وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق الأعمش عن أبي ظبيان عن بن عباس قال أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فقال يا رب وما أكتب قال أكتب القدر فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة وأخرج سعيد بن منصور عن أبي عوانة عن أبي بشر عن مجاهد قال بدء الخلق العرش والماء والهواء وخلقت الأرض من الماء والجمع بين هذه الآثار واضح قوله وكتب أي قدر في الذكر أي في محل الذكر أي في اللوح المحفوظ كل شيء أي من الكائنات وفي الحديث جواز السؤال عن مبدأ الأشياء والبحث عن ذلك وجواز جواب العالم بما يستحضره من ذلك وعليه الكف إن خشي على السائل ما يدخل على معتقده وفيه أن جنس الزمان ونوعه حادث وأن الله أوجد هذه المخلوقات بعد أن لم تكن لا عن عجز عن ذلك بل مع القدرة واستنبط بعضهم من سؤال الأشعريين عن هذه القصة أن الكلام في أصول الدين وحدوث العلم مستمران في ذريتهم حتى ظهر ذلك منهم في أبي الحسن الأشعري أشار إلى ذلك بن عساكر قوله فنادى مناد في الرواية الأخرى فجاء رجل فقال يا عمران ولم أقف على اسمه في شيء من الروايات قوله ذهبت ناقتك يا بن الحصين أي انفلتت ووقع في الرواية الأولى فجاء رجل فقال يا عمران راحلتك أي أدرك راحلتك فهو بالنصب أو ذهبت راحلتك فهو بالرفع ويؤيده الرواية الأخرى ولم أقف على اسم هذا الرجل وقوله تفلتت بالفاء أي شردت قوله فإذا هي يقطع بفتح أوله دونها السراب بالضم أي يحول بيني وبين رؤيتها والسراب بالمهملة معروف وهو ما يرى نهارا في الفلاة كأنه ماء قوله فوالله لوددت أني كنت تركتها في التوحيد أنها ذهبت ولم أقم يعني لأنه قام قبل أن يكمل النبي صلى الله عليه وسلم حديثه في ظنه فتأسف على ما فاته من ذلك وفيه ما كان عليه من الحرص على تحصيل العلم وقد كنت كثير التطلب لتحصيل ما ظن عمران أنه فاته من هذه القصة إلى أن وقفت على قصة نافع بن زيد الحميري فقوي في ظني أنه لم يفته شيء من هذا القصة بخصوصها لخلو قصة نافع بن زيد عن قدر زائد على حديث عمران إلا أن في آخره بعد قوله وما فيهن واستوى على عرشه عز وجل الحديث الثاني حديث عمر قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم الحديث.ا.هـــ