هذه الفتنة مردها فرقة حينها ضالة مبتدعة تدعى الجهمية (يقولون بخلق القرآن) والتي انتشرت انتشار النار بالهشيم في الناس..
افكار هذا الفرقة الضالة انتشرت في الناس بشكل مخيف حتى ان الغرغير الفطن لم يكن يستطيع التمييز فيقع في المطب بدون انتباه او تردد.. حيث اخترع هؤلاء الجهمية خطة جهنمية للتغرير بالناس وايقاعم في هذه البدعة العظيمة
لكن بفضل الله تواجد من العلماء من فطن لهذه الحيلة البائسة وعلى رأسهم الامام الفاضل الهمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى .. فكشف أمرهم فقال كلمة مختصرة تقشَّعَتْ بها غيومُ فتنتهم وهي قوله : من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي !! ومن قال لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع!!! وأول من قال "إن اللفظ بالقرآن مخلوق" هو الفقيه الكرابيسي..
أما شيخ المحدثين محمد بن اسماعيل رحمه الله تعالى فقد تبرأ من اللفظ وكذب من نسب اليه ذلك..
وإليكم ما جاء عنه – رحمه الله - :
يقول أبو صالح خلف بن محمد بن إسماعيل ، قال : سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر بن إبراهيم النيسابوري المعروف بالخفاف ببخارى يقول : كنا يوما عند أبي إسحاق القيسي ومعنا محمد بن نصر المروزي ، فجرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري فقال محمد بن نصر : سمعته يقول : من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقله .
فقلت له : يا أبا عبد الله قد خاض الناس في هذا وأكثروا فيه .
فقال : ليس إلا ما أقول وأحكي لك عنه .
قال أبو عمرو الخفاف : فأتيت محمد بن إسماعيل فناظرته في شيء من الأحاديث حتى طابت نفسه فقلت : يا أبا عبد الله ها هنا أحد يحكي عنك أنك قلت هذه المقالة ، فقال: يا أبا عمرو احفظ ما أقول لك ، من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفة والمدينة ومكة والبصرة أني قلت : (لفظي بالقرآن مخلوق) فهو كذاب ، فإني لم أقل هذه المقالة ، ألا أني قلت أفعال العباد مخلوقة .
{انظر تاريخ بغداد 2/354-355ط.دار الغرب , وسير أعلام النبلاء 12/457}.
وقال الحافظ الذهبي –رحمه الله- في سير أعلام النبلاء ( 12 / 457) :
(قلت: المسألة هي أن اللفظ مخلوق ، سئل عنها البخاري ، فوقف فيها ، فلما وقف واحتج بأن أفعالنا مخلوقة ، واستدل لذلك ، فهم منه الذهلي أنه يوجه مسألة اللفظ ، فتكلم فيه ، وأخذه بلازم قوله هو وغيره ) ا.هـ
أما عن الذهلي رحمه الله تعالى فيكون كلامه ومقالته في الامام البخاري من قبيل ما وصله ممن فهم انه قال ما نُسب إليه .. والذهلي ليس معصوما كما غيره كذلك لم يكن معصوما
ثم ليس عيبا في الشخص ان يطعن فيه غيره.. فقد تم الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقرب الناس اليه من عمه.. فهل هذا انقص من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وقد تم الطعن في امير المؤمنين علي رضي الله عنه ممن ادعى مشايعته وهذا قطعا لا يؤثر فيه..
اضيف: الذهلي كان ممن حض الناس على الجلوس للبخاري وحضور مجالسه ودروسه .. والذهلي نفسه كان ممن استفاد كثيرًا من البخاري حتى أنه كان يمشي خلف البخاري في الجنائز يسأله عن الأسامي والكنى والعلل والبخاري يمر فيه مثل السهم... وهذا نموذج عن المحبة الصادقة التي حاول بعض المغرضون افسادها..
وأصل قصة الفتنة (المحنة) فكان كالتالي:
لما حضر الناس مجلس البخاري، قام إليه رجل، فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق هو أم غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه، فأعاد الرجل السؤال ثلاث مرات، فالتفت إليه البخاري وقال: القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة، أي أن البخاري قد أدرك مغزى السؤال وعلم أنه من جنس السؤالات التي لا يراد بها وجه الله عز وجل، وإنما يراد بها امتحان العلماء وإثارة الفتن والفرقة بين الناس، فشغب الرجل السائل على مجلس البخاري فقام البخاري من مجلسه وجلس في منزله.
بعد هذه الحادثة - وبعد استحواذ نوازع النفس الامارة بالسوء- أخذ الذهلي في التشنيع على البخاري واتهمه بالتجهم (الذهلي غير معصوم للتذكير) وقال: قد أظهر البخاري قول اللفظية واللفظية عندي شر من الجهمية، ومن ذهب بعد إلى محمد بن إسماعيل البخاري فاتهموه، فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مثل مذهبه، ثم تمادى الذهلي في التشنيع والهجوم على البخاري ونادى عليه في الناس ومنع طلبة الحديث من الجلوس إليه، ثم ألزم كل من يحضر مجلسه ألا يجلس للبخاري،
فقال يومًا: ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا، وكان في المجلس وقتها الإمام الكبير مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة، فقام الاثنان من مجلس الذهلي، وهذا الأمر جعل الذهلي يزداد في هجومه على البخاري، ويصل لأعلى درجات الغلو والغيرة المذمومة، إذ قال بعد حادثة خروج الإمام مسلم من مجلسه: لا يساكنني هذا الرجل [يعني البخاري] في البلد، وأخذ الجهال والسفهاء يتعرضون للبخاري في الطريق يؤذونه بالقول والفعل، مما أجبر معه البخاري في النهاية لأن يخرج من البلد.
وهكذا نرى كيف كانت فصول محنة البخاري وهي كما قال الذهبي رحمه الله: لا يسلم منها عصر من الأعصار، فهي كانت وما زالت قائمة وموجودة، بل هي الآن على أشدها، فكم من عالم وداعية خاض الحاسدون وعشاق التصنيف وأنصار الحزبية في حقه ورموه بكل قبيح ونسبوا إليه من هو منه براء لا لشيء إلا حسدًا من عند أنفسهم على حب الناس له والتفافهم حوله، وكم عالم وداعية راح ضحية هذه التشنيعات حتى ضاع ذكره وخبره تحت أمواج الوشايات والأباطيل التي ملأت الأسماع وأوغرت الصدور وشحنت النفوس، حتى أصبح مجرد ذكر اسم هذا العالم أو الداعية مدعاة للطعن والشك والريب والطرح.
والخلاصة أنها قصة جديدة قديمة وفصولها كلها محزنة أليمة والسالم من سلَّمه الله والمعصوم من عصمه الله وقليل من هم.