معنى الجرح والتعديل

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم لك الحمد على ما ألهمت وعلمت ، ولك الشكر على ما فتحت به وأنعمت، وأصلي وأسلم على نبيك الذي أرسلت، وعلى آله وصحبه الذين أيدت بهم دينك ونصرت، أما بعد:
فإن الجرح والتعديل علم زخرت بحوره، وتفجرت عيونه، وتشعبت فنونه، اختص الله –جل ثناؤه- به هذه الأمة من بين الأمم، فعرف بها، كما عرفت به، لم تألف الأمم له مثيلا يضاهيه، ولم تجد في تراثها شيئا يقاربه في عائدته أو يدانيه.
ولقد كان الناس قبله في ضلال بعيذ، وشك مريب، تتناوش فكرهم أساطير القصاص، وتختلب ألبابهم حكايات الكهان، يختلط لديهم الغث بالسمين، ويستوي أمامهم الإفك الصراح والحق المبين، إلى أن بزغت شمس هذا الفن الشريف، فبددت حنادس الليل بعد إظلامها، وميزت خبيث الأخبار من طيبها بعد استحكامها.
ولقد نبغ في هذا الفن أئمة جهابذة، جمع الله فيهم قوة الحافظة، وسرعة العارضة، وتوقد القريحة، فما برحوا يرسخون قواعده، ويثبتون دلائله، ويفصلون دعائمه، ناهلين من حوض الكتاب ونمير السنة، ناكبين عن السبل المضلة، إلى أن غدا دوحة يانعة غناء، أصلها ثابت وفرعها في السماء.
بيد أنه دخل في هذا الفن دخلاء، وتكلم فيه أجانب عنه غرباء، استفزهم العجب، وجنح بهم الكبر، وأجلب عليهم الشيطان بخيله ورجله، وأوحى إليهم: أن نشبوا أظفار جهلكم للذب عن مذاهب الآباء والأجداد، فطفقوا يعيثون في هذا الفن فسادا، ويعبثون فيه خرابا، إلى أن جعلوا حقه باطلا، ومعروفه الظاهر أمرا منكرا.

في بيان حقيقة الجرح والتعديل وما يتعلق بذلك:

الجرح له معنيان: لغوي، واصطلاحي، أما اللغوي: فهو بفتح الجيم: التأثير في الجسم بالسلاح، أو في القلب بالكلام البذيء.
والجرح بضم الجيم: اسم للجرح.
وقال بعض فقهاء اللغة: «الجرح» بالضم يكون في الأبدان بالحديد ونحوه، و«الجرح» بالفتح يكون باللسان في المعاني والأعراض ونحوها.
قال الزبيدي في "تاج العروس من جوهر القاموس" (2/130): هذا هو المتداول بينهم، وإن كانا في أصل اللغة واحدا. انتهى

أما الجرح اصطلاحا، فهو: وصف الراوي بما يقتضي تليين روايته، أو تضعيفها، أو ردها.
قال ابن الأثير في "جامع الأصول: (1/126): الجرح: وصف متى التحق بالراوي والشاهد سقط الاعتبار بقوله، وبطل العلمل به. انتهى

قلت: الأول أولى؛ لكونه اشتمل، وعليه فالموصوف بما يقتضي تليين روايته هو «الصدوق»، وتتقوى روايته بوجود قرينة مرجحة لجانب ضبطه لحديث معين.
والموصوف بما يقتضي تضعيف روايته لا يخلو تضعيفه من ثلاث حالات:

أحدها: أن يكون ضعيفا مطلقا، فهذا لا تقبل معه رواية الراوي عند تفرده بها، ولكت تتقوى بالمتابعة من مثله أو ممن هو فوقه، فترتقي إلى درجة الحسن لغيره.
الثانية: أن يكون ضعيفا مقيدا بالرواية عن بعض الشيوخ، أو في بعض البلدان، أو في بعض الأوقات، فيختص الضعف بما قيد به دون سواه.
الثالثة: أن يكون تضعيفا نسبيا، وهو الواقع عند المفاضلة بين راويين، فأكثر، فهذا لا يلزم منه ثبوت الضعف المطلق في الراوي، بل يختلف الحكم عليه بحسب قرينة الحال في تلك المفاضلة.
وأما الموصوف بما يقتضي رد روايته فهو الضعيف جدا، فمن دونه، فلا يتقوى بغيره، ولا يقوي غيره.

«التعديل» لغة: التسوية، وتقويم الشيء، وموازنته بغيره.
واصطلاحا: وصف الراوي بما يقتضي قبول روايته.
ثم المراد بالقبولما يشمل من تقبل روايته، وتكون في مرتبة الصحيح، ومن تقبل روايته، وتكون في مرتبة الحسن، وذلك لن هؤلاء يحتج بمروياتهم، وإن تفاوتت مراتبها.
ثم إن أصل كلمة التعديل هو الحكم بعدالة الراوي، لكنها هنا مستعملة بمعنى التوثيق، أي الحكم بعدالة الراوي وضبطه معا؛ لأنهما أساس قبول خبر الراوي.
والعدالة: هي ملكة تحمل المرء على ملازمة التقوى والمروءة.
والعدل هو: المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة
فالإسلام والبلوغ شرطان للأداء، لا للتحمل، فقد تحمل بعض الصحابة قبل إسلامهم، ثم ادوا ذلك بعده، وتحمل كذلك صغار الصحابةحال صباهم، وأدوا بعد بلوغهم.
والبلوغ والعقل هما مناط التكليف الشرعي، لكن قد يضبط الصبي المميز بعض ما سمعه، أو شاهده، ولذلك اعتبر أداؤه بعد البلوغ لما تحمله حال الصبا.
والسلامة من أسباب الفسق، وخوارم المروءة إنما تتحقق في ظاهر حال الراوي، لكن يقل تضعيف الراوي بفعل ما يخرم المروءة.

» معرفة بعض قواعد اهل العلم بالجرح والتعديل
» ما معنى الإرجاء؟
» ما معنى " المأثم والمغرم " ؟
» ما معنى حديث صحيح لغيره .. ؟