الحمد لله رب العالمين حرم على عباده ما يضرهم وأحل لهم ما ينفعهم، والصلاة والسلام على رسول الله بين الحلال من الحرام، وعلى آله وأصحابه خير من التزموا بالإسلام.
أما بعد :
إن القلب ليتقطع حسرة وندامة، وإن العين لتدمع دماً, وإن النفس لتموت كمداً للحالة التي وصلت إليها مساجد المسلمين التي من مليئة بأصوات الموسيقى الصاخبة, فلا تكاد تدخل فرض من الفروض إلا وتسمع الموسيقى والأغاني وأصوات المنشدين تنبعث من الجولات من هناك وهناك، موسيقى هنا، وأغنية هناك، وكأنك في حديقة عامة، حتى صار المصلي يُنقل فكره وعقله بين هذه الأصوات، فلا يكاد يُسْكِت هذا جواله إلا وانفجر جوال آخر بنغمة موسيقية يستحي الشيطان من سماعها.
فالجولات مليئة بالأغاني والأناشيد وكثير من المسلمين يضع هذه الأصوات نغمة لجواله فيدخل في الصلاة دون أن يغلق جواله، فيأتي بعض المخذولين ليتصل أوقات الصلاة فتسمع العجب العجاب، موسيقى صاخبة، وأنا شيد فاتنة تهز أركان المسجد في وقت يكون المصلي في أشد الحاجة إلى الخشوع والاطمئنان في الصلاة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم إن الذي يحير الإنسان العاقل ويجعله في حيرة من أمره كيف يضع هذا المسلم المصلي هذه الموسيقى الصاخبة والأغاني الماجنة في تلفونه لتكون نغمة له يفتخر بها عند الاتصال به!! ألا تنهاه صلاته عن هذا؟! ألا تزجره صلاته عن الأغاني والموسيقى فقد جاء في الأثر "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا" فإذا لم تنهه صلاته ولم ينتهي عن فعل هذه الموسيقى في غير أوقات الصلاة، فلماذا لا يستحيي من الله فيغلقه عند دخوله إلى المسجد فيكون قد أبعد هذه الموسيقى عن بيوت الله -عزوجل- التي نحن مأمورون بأن نعظمها؛ لأنها أحب البقاع إلى الله -عزوجل-.
فإذا حصل هذا الإزعاج وجئت تعتب عليه بعد الصلاة يقول لك إنني نسيت وهذا عذر أقبح من ذنب، كيف ينسى وقد علقت لوحات إرشادية في المساجد تنبيها لإغلاق التلفونات، وكثير من الأئمة كذلك ينبهون المصلين على إغلاق تلفوناتهم فالنسيان ليس عذراً، ثم إن الأمر يهون لو كانت هذه النغمة رنين فقط فلماذا تضع هذه الموسيقى أصلاً، فإذا كان الحكم الشرعي أنه لا يجوز وضع الموسيقى في الجولات وسماعها فلماذا إذاً نضعها نغمة للجولات ثم نأتي إلا المساجد ولا نغلق هذه الجولات.
قال الشيخ سليمان بن ناصر العلوان: "وحين ننهى عن النغمات الموسيقية مطلقاً في الجوالات وغيرها، نحذر من تشغيل الجوالات في المساجد، ورنين الأجهزة، فمفاسد ذلك متعددة، وأضراره واضحة وآفاته قبيحة قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ .الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} وأجزم أنه لا يجتمع في الصلاة خشوع، ورنين جوال، فمن عقل عن الله أمره، آثر رضاه وأقبل على صلاته وخشع لربه، وابتعد عن سلوك أهل العادة والغفلة، فهؤلاء في واد وأهل الصلاة والخشوع في واد آخر، وأحسب أن المؤمن يستجيب لأمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يعصي الله في أحب البقاع إلى الله، ولا يؤذي أحدًا بقوله، ولا فعله فحين يأتي إلى المساجد يغلق الجوال، ويقبل بقلبه على صلاته، نسأل الله التوفيق والثبات على الحق". فهذه تعتبر فتوى من هذا الشيخ وهي فتوى كذلك فالموسيقى قد حرمها العلماء، وتكون في المسجد أشد حرمة؛ لأنها في بيوت الله التي يجب أن تعظم، ولأنها تؤذي المصلين الذين هم في حاجة إلى الخشوع.
وفي الأخير أذكر حادثة قرأتها وهي أن أحد المصلين تعرض للضرب في أحد المساجد بعد انطلاق أغنية "الله عليك يا سيدي" للمطرب المصري إيهاب توفيق من هاتفه الجوال الذي تركه مفتوحا أثناء أداء الصلاة. وانهال بعض المصلين ضربا على الرجل عندما هم بالخروج من المسجد فور انتهاء الصلاة عقابا له على انتهاكه حرمة المسجد والتشويش على المصلين.
وهذا ليس حلاً فهناك عدة حلول منها:
1- الإكثار من الإرشادات واللافتات التي تنبه المصلي على إغلاق الجوال.
2- التنبيه من الأئمة قبل الدخول في الصلاة على إغلاق التلفونات.
3- وضع رنين عادي في التلفون فإذا رن في الصلاة كان أهون من الموسيقى والأغاني.
4- وضع جهاز قاطع للإرسال ومانع من تشغيل الجولات داخل المساجد.
أسأل الله سبحانه بمنه وكرمه أن يهدي المسلمين وأن يحبب إليهم الإيمان ويكره إليهم الكفر والعصيان.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بقلم: حسين بن قاسم القطيش