المقدمة
كثيرا ما نسمع ونقرا أن الشيعة يعتقدون بتحريف القرآن الكريم ونقصه وتبديل بعض آياته, حتى قرأنا كتبهم التي ألفوها بذلك الشأن, فبعضهم أفرد لإثبات تحريف القرآن الكريم, مؤلفا خاصا, كما في كتاب ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) للطبرسي, وما أن تقرأ في أمهات الكتب الشيعية حتى تجدهم يعتقدون بالتحريف ولهم إجماع على ذلك,
والتحريف الذي أعتقدوه في كتاب الله تعالى على نوعين: تحريف مباني الآيات وتحريف معانيها.
نعم هذا من المسلمات التي لا يمكن إنكارها, بل هي عند أصحاب التشيع الفارسي متواترة, ومجمع عليها بين كافة علماءهم:
أولاً: تحريف مباني الآيات
قال الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي 1/52: (( وأما اعتقاد مشايخنا رضي الله عنهم في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن ، لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ، ولم يتعرض لقدح فيها ، مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه، وكذلك أستاذه علي بن إبراهيم ألقمي ـ رضي الله عنه ـ فإن تفسيره مملوء منه ، وله غلو فيه ، وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي رضي الله عنه فإنه أيضا نسج على منوالهما في كتاب الإحتجاج )).
( 1 ) علي بن إبراهيم القمي :
قال في تفسيره الصافي ( ج1/36) :
وأما ما هو على خلاف ما أنزل الله فهو قوله : (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)) آل عمران : 110
فقال أبو عبد الله عليه السلام لقارئ هذه الآية : (( خير أمة )) يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن علي عليهم السلام ؟ فقيل له : وكيف نزلت يا ابن رسول الله؟ فقال:
إنما نزلت: (( كنتم خير أئمة أخرجت للناس )) ألا ترى مدح الله لهم في آخر الآية (( تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)) ومثله آية قرئت على أبي عبد اللــــه عليـه السلام: (( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) ([1]) )) فقال أبو عبد الله عليه السلام : لقد سألوا الله عظيما أن يجعلهم للمتقين إماما. فقيل له : يا ابن رسول الله كيف نزلت ؟ فقال : إنما نزلت :
(( الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إماما )) (الفرقان:74)
( 2 ) نعمة الله الجزائري واعترافه بالتحريف :
قال الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية 2/357 ، 358 :
(( ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة ([2]))) فإنهم بعد النبيe قد غيروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا كتغييرهم القرآن وتحريف كلماته وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول والأئمة الطاهرين وفضائح المنافقين وإظهار مساويهم كما سيأتي بيانه في نور القرآن))
3 ) الفيض الكاشاني ( المتوفى 1091 هـ ) :
وممن صرح بالتحريف من علمائهم : مفسرهم الفيض الكاشاني صاحب تفسير " الصافي ".
قال في مقدمة تفسيره الصافي وهو يصفه: (( وبالحري أن يسمى هذا التفسير بالصافي لصفائه عن كدورات آراء العامة والممل والمحير)) - تفسير الصافي - منشورات مكتبة الصدر - طهران - ايران ج1 ص13 ..
وقال : (( والمستفاد من هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى لله عليه وآله وسلم بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ، ومنه ما هو مغير محرف ، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم علي عليه السلام ، في كثير من المواضع ، ومنها لفظة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم غير مرة ، ومنها أسماء المنافقين في مواضعها ، ومنها غير ذلك ، وأنه ليس أيضا على الترتيب المرضي عند الله ، وعند رسول صلى الله عليه وآله وسلم) تفسير الصافي 1/49 منشورات الاعلمي ـ بيروت ، ومنشورات الصدر - طهران
( 4 ) الطبرسي ( المتوفي سنة 620هـ ) :
يقول: (( إن الكناية عن أسماء أصحاب الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ، ليست من فعله تعالى, وإنها من فعل المغيرين والمبدلين الذين جعلوا القرآن عضين ، واعتاضوا الدنيا من الدين)) . المصدر السابق 1/249 .
( 5 ) محمــد باقــــر ألمجلسي :
والمجلسي يرى أن أخبار التحريف متواترة ولا سبيل إلى إنكارها فيقول في كتابه (( مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول)) الجزء الثاني عشر ص525 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد e سبعة عشر ألف آية قال عن هذا الحديث: (( موثق ، وفي بعض النسخ عن هشام بن سالم موضع هارون بن سالم، فالخبر صحيح. ولا يخفي أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى ، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأسا، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر ؟ )) مرآة العقول للمجلسي ص 525 ح 12 دار الكتب الإسلامية ـ ايران .
أي كيف يثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف .
( 6 ) الشيخ المفيد .
أما المفيد ـ الذي يعد من مؤسسي المذهب قال في ( أوائل المقالات ) :
(( واتفقت الأمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة، وإن كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف ، واتفقوا على إطلاق لفظ البداء في وصف الله تعالى ، وإن كان ذلك من جهة السمع دون القياس ، واتفقوا أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأجمعت المعتزلة ، والخوارج ، والزيديه والمرجئة ، وأصحاب الحديث على خلاف الأمامية في جميع ما عددناه )) . أوائل المقالات ص48
(7) أبو الحسن ألعاملي :
قال في المقدمة الثانية لتفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار ص 36 :" اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها ، أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول e شيء من التغييرات ، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرا من الكلمات والآيات ، وأن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى ، ما جمعه إلا علي (ع).
واليوم نرى ونسمع بالصوت والصورة من خلال الفضائيات, ندوات ومناظرات لعلماء يدافعون عن كتاب الله تعالى, ويثبتون بطلان عقيدة التحريف التي أثبتها أرباب التشيع الفارسي, والمقابل يدافع وينكر ذلك ويعده تهمة على المذهب الأمامي وأهله, فترى أن المدافع عن كتاب الله تعالى يأتي بأمثلة من كتبهم, والتي أثبت علماؤهم التحريف فيها, والمقابل يرد بأن هذه الكتب غير معترف بها في مذهبنا, تاركا الضربة القاصمة التي لا يستطيع الشيعي الفارسي أن يردها , ألا وهي إجماع علماء التشيع الفارسي على تحريف القرآن الكريم ونقصانه, سواء السابقين أو اللاحقين, بل هو اعتقاد كبار مشايخ الأمامية كما قال الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي.
وهكذا يتبين لنا من خلال تلك الأدلة التي استعرضناها من أمهات المصادر الأمامية بتأكيد من أقوال علماء التشيع قديما وحديثا, أنهم يعتقدون أن التحريف واقع في كتاب الله تعالى, ولهذا فهم اجمعوا على تحريفه, وان القرآن الحقيقي هو عند الإمام الغائب وهذا مجمع عليه, نعم هذا من المسلمات التي لا يمكن إنكارها, بل هي عند أصحاب التشيع الفارسي متواترة, ومجمع عليها بين كافة علماءهم, مما أدى إلى أعراضهم عن تلاوته والعمل به, لكن لزيادة الضغط عليهم في ذلك, ومحاولة منهم لحفظ ماء وجوههم , نراهم اليوم يعقدون الدورات لحفظ القرآن وتعليمه, في بعض حسينياتهم, ومن على القنوات الفضائية, لخداع الناس من عامة الشيعة, لكن الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها هي تركهم لهذا القرآن, وراء ظهورهم, لاعتقادهم أن هذا القرآن هو الذي جمعه أبو بكر الصديق (رض), وأن القرآن الحقيقي هو عند علي ابن أبي طالب (رض), وتوارثه الأئمة حتى وصل إلى الأمام الغائب!!! حتى عقد الكليني في كافيه بابا بعنوان (انه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام)
عن أبي جعفر (ع) انه قال: (ما ادعى أحد من الناس انه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب (ع) والأئمة من بعده) الأصول1/228.
يروي الكليني عن أبي عبد الله (ع) انه قال: (إن القرآن الذي جاء به جبريل "عليه السلام" إلى محمد "صلى الله عليه وسلم" سبعة عشر ألف آية) أصول الكافي2/634.
ثانيا: تحريف معاني الآيات
فقد روى الكليني عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: (بل تؤثرون الحياة الدنيا) قال: (ولايتهم) يقصد بذلك أبي بكر وعمر وعثمان) (والآخرة خير وأبقى) قال: ولاية أمير المؤمنين) الأصول1/418
ورووا عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: }قل إنما أعظكم بواحدة{ سبأ/46: (ولاية علي هي الواحدة) الأصول 1/420.
وغير ذلك الكثير, لهذا الاعتقاد لم يضعوا درسا للقرآن الكريم في دراستهم الحوزوية!!!
(( ومن الذين هادوا سمّاعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك, يحرفون الكلم من بعد مواضعه ) المائدة41 .