قال الله تعالى "وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون" .قال بعض السلف كنت إذا قرأت مثلا من القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي لأن الله تعالى يقول " وما يعقلها إلا العالمون ".والأمثال: جمع مثل، والمَثل والمِثل والمثيل: كالشَّبه والشِّبه والشبيه لفظًا ومعنى. و التمثيل يبرز المعاني في صورة حية تستقر في الأذهان بتشبيه المعقول بالمحسوس وقياس النظير على النظير، وكم من معنى جميل أكسبه التمثيل روعة وجمالًا، فكان ذلك أدعى لتقبل النفس له، واقتناع العقل به، وهو من أساليب القرآن الكريم في ضروب بيانه ونواحي إعجازه ، وعادة العرب استعمال الأمثال لأنها أبلغ في توصيل المطلوب إلي السامع ، وعندما جاء القرآن تحدي العرب ببلاغته الخاصة ؛ فإن أمثال القرآن لها بلاغة خاصة لا يدركها إلا العارف بأسرار اللغة العربية :
وفي القرآن الكريم من صريح الأمثال أربعون مَثلا
المثل الأول{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } (الآية 17)
التفسير:وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى بمن استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله وتأنس بها فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره وصار في ظلام شديد لا يبصر ولا يهتدي وهو مع هذا أصم لا يسمع أبكم لا ينطق أعمى لو كان ضياء لما أبصر فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم عوضا عن الهدى واستحبابهم الغي على الرشد. وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع والله أعلم. والتشبيه هاهنا في غاية الصحة لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولا نورا ثم بنفاقهم ثانيا أبطلوا ذلك فوقعوا في حيرة عظيمة فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين.
المثل الثاني { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ } (الآية 19)
التفسير:هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ويشكون تارة أخري فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم "كصيب" والصيب المطر قاله ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة وأبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحسن البصري وقتادة وعطية العوفي وعطاء الخرساني والسدي والربيع بن أنس. وقال الضحاك: هو السحاب والأشهر هو المطر نزل من السماء في حال ظلمات وهي الشكوك والكفر والنفاق ورعد وهو ما يزعج القلوب من الخوف فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع كما قال تعالى "يحسبون كل صيحة عليهم" وقال "ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون" " والبرق" هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان من نور الإيمان ولهذا قال "يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين" أي ولا يجدى عنهم حذرهم شيئا لأن الله محيط بقدرته وهم تحت مشيئته وإرادته كما قال "هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط" بهم.
المثل الثالث{ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } (الآية 26)
التفسير:عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين يعني قوله تعالى "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا" وقوله "أو كصيب من السماء" الآيات الثلاث قال المنافقون: الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال فأنزل الله هذه الآية إلى قوله تعالى "هم الخاسرون" وقال سعيد عن قتادة أي إن الله لا يستحي من الحق أن يذكر شيئا مما قل أو كثر وإن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال أهل الضلالة ما أراد الله من ذكر هذا؟ فأنزل الله "إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها"
المثل الرابع{ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } (الآية 171)
التفسير:ومثل الذين كفروا أي فيما هم فيه من الغي والضلال والجهل كالدواب السارحة التي لا تفقه ما يقال لها بل إذا نعق بها راعيها أى دعاها إلى ما يرشدها لا تفقه ما يقول ولا تفهمه بل إنما تسمع صوته فقط: هكذا روي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد وعكرمة وعطاء والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والربيع بن أنس نحو هذا. وقيل إنما هذا مثل ضرب لهم في دعائهم الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل شيئا اختاره ابن جرير والأول أولى لأن الأصنام لا تسمع شيئا ولا تعقله ولا تبصره ولا بطش لها ولا حياة فيها. وقوله "صم بكم عمي" أي صم عن سماع الحق بكم لا يتفوهون به عمي عن رؤية طريقه ومسلكه "فهم لا يعقلون" أي لا يعقلون شيئا ولا يفهمونه كما قال تعالى "والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم".
المثل الخامس{ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (الآية 261)
التفسير:هذا مثل ضربه الله تعالى لمضاعفة الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته وإن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فقال "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله" قال سعيد بن جبير يعني في طاعة الله وقال مكحول يعني به الإنفاق في الجهاد من رباط الخيل وإعداد السلاح وغير ذلك وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس الجهاد والحج يضعف الدرهم فيهما إلى سبعمائة ضعف ولهذا قال الله تعالى "كـمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة" وهذا المثل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة فإن هذا فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عز وجل لأصحابها كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة وقد وردت السنة بتضعيف الحسنة إلى سبعمائة ضعف
المثل السادس{ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } (الآية 264 )
التفسير:أي لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كما تبطل صدقة من راءى بها الناس فأظهر لهم أنه يريد وجه الله وإنما قصده مدح الناس له أو ليشكر بين الناس أو يقال إنه كريم ونحو ذلك من المقاصد الدنيوية مع قطع نظره عن معاملة الله تعالى ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه ولهذا قال "ولا يؤمن بالله واليوم الآخر" ثم ضرب تعالى مثل ذلك المرائي بإنفاقه والذي يتبع نفقته منا أو أذى فقال "فمثله كمثل صفوان" وهو جمع صفوانة فمنهم من يقول الصفوان يستعمل مفردا. أيضا وهو الصفا وهو الصخر الأملس "عليه تراب فأصابه وابل" هو المطر الشديد "فتركه صلدا" أي فترك الوابل ذلك الصفوان صلدا أي أملس يابسا أي لا شيء عليه من ذلك التراب بل قد ذهب كله أي وكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله وإن ظهر لهم أعمال فيما يرى الناس كالتراب.
المثل السابع
{ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (الآية 265)
التفسير:وهذا مثل المؤمنين المنفقين أموالهم ابتغاء مرضات الله عنهم في ذلك "وتثبيتا من أنفسهم" أي وهم متحققون ومتثبتون أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء ونظير هذا في المعنى قوله عليه السلام في الحديث الصحيح المتفق على صحته من صام رمضان إيمانا واحتسابا أي يؤمن أن الله شرعه ويحتسب عند الله ثوابه قال الشعبي: "وتثبيتا من أنفسهم" أي تصديقا ويقينا وكذا قال قتادة وأبو صالح وابن زيد واختاره ابن جرير وقال مجاهد والحسن أي يتثبتون أين يضعون صدقاتهم. وقوله "كمثل جنة بربوة" أي كمثل بستان بربوة وهو عند الجمهور المكان المرتفع من الأرض وزاد ابن عباس والضحاك وتجري فيه الأنهار قال ابن جرير رحمه الله: وفي الربوة ثلاث لغات هن ثلاث قراءات بضم الراء وبما قرأ عامة أهل المدينة والحجاز والعراق وفتحها وهي قراءة بعض أهل الشام والكوفة ويقال إنها لغة تميم وكسر الراء ويذكر أنها قراءة ابن عباس. وقوله "أصابها وابل" وهو المطر الشديد كما تقدم فآتت "أكلها" أي ثمرتها "ضعفين" أي بالنسبة إلى غيرها من الجنان "فإن لم يصبها وابل فطل" قال الضحاك هو الرذاذ وهو اللين من المطر أي هذه الجنة بهذه الربوة لا تمحل أبدا لأنها إن لم يصبها وابل فطل وأيا ما كان فهو كفايتها وكذلك عمل المؤمن لا يبور أبدا بل يتقبله الله ويكثره وينميه كل عامل بحسبه ولهذا قال "والله بما تعملون بصير" أي لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء.
المثل الثامن{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } (الآية 266)
التفسير:وتبيين ما فيها من المثل بعمل من أحسن العمل أولا ثم بعد ذلك انعكس سيره فبدل الحسنات بالسيئات عياذا بالله من ذلك فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم من الصالح واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال فلم يحصل منه شيء وخانه أحوج ما كان إليه ولهذا قال تعالى "وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار" وهو الريح الشديد "فيه نار فاحترقت" أي أحرق ثمارها وأباد أشجارها فأي حال يكون حاله؟ . قال عمر بن الخطاب يوما لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن ترون هذه الآية نزلت؟ "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب" قالوا: الله أعلم فغضب عمر فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين فقال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك فقال ابن عباس رضي الله عنهما ضربت مثلا بعمل قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس لرجل غني يعمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله.(رواه البخاري)
وقيل هذا مثل لحال غير المخلصين في نفقاتهم, يأتون يوم القيامة ولا حسنة لهم.
المثل التاسع{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا .. } (الآية 275)
التفسير:يخبر تعالى عن أكلة الربا وأموال الناس بالباطل وأنواع الشبهات يوم خروجهم من قبورهم وقيامهم منها إلى بعثهم ونشورهم فقال "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له وذلك أنه يقوم قياما منكرا وقال ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]