مولد أبي الحسن الشاذلي بين الطقوس الشركية والحملات الانتخابية

- الصوفية ينقلون مشاعر الحج إلى جنوب مصر ويطالبون بمناداة زواره بالحاج، ويعتبرونه حجًّا أصغر ويصرون على الالتزام بطقوس يوم عرفات وينحرون الذبائح في مخالفة واضحة لثوابت الإسلام.

- صوفيون محترقون يرفضون هذه المظاهر الوثنية ويصفون مرتكبيها بالدخلاء.

- شيخ الطريقة الرفاعية يقود مظاهرة بالسيوف ويعرض حياة عشرات الرواد لخطر داهم.

- رموز الصوفيين استغلوا المولد للترويج لمرشحيهم خلال انتخابات البرلمان القادم وحزب ساويرس تحول لضيف دائم على موالد الصوفية.

- رواد المولد استغلوا الغياب الأمني وأعادوا مواكب النقل الجماعي لمئات الآلاف.

القاهرة - موقع الصوفية - أحمد علي

"يا ساكن حميثرة فوقك قبة منورة اروي العطاشا يا شاذلي بكاسات معطرة" هذه الكلمات المأثورة يستقبل بها أهالي الوادي المعروف بمحافظة البحر الأحمر جنوب مصر رواد مولد أبو الحسن الشاذلي والذي يرتبط في ذهن أنصاره بطقوس معينة تختلف عن جميع موالد الجمهورية حيث تستلزم الزيارة الصحيحة للشاذلي تحرك المريد قبل وقفة عرفات بيومين كي يصل قبل بدء الاحتفال بيوم واحد يستريح فيه الزوار.

ومع شروق شمس يوم عرفة يصعد المريدون - الذين تراجع عددهم إلى 250 ألف زائر هذا العام بعد أن كان يتجاوز المليون خلال الأعوام الماضية - إلى جبل حميثرة ويبقون فوقه حتى غروب الشمس، ثم ينزلون بعدها ويلزمون خدمة المقام حتى لحظات الصباح الأولى من أول أيام عيد الأضحى.

تحرك الموكب المنطلق إلى مقام الشاذلي يستلزم طقوسًا غريبة وقديمة كانوا يحرصون عليها قبل أن يمنعها الأمن خلال السنوات الماضية، حيث يجمعون أمتعتهم ونذورهم ومتعلقاتهم الغريبة، ومن بينها نحائر الأضحية التي بلغت خلال المولد 120 ألف رأس من الأغنام والماعز والخراف والإبل كان يمكن استخدامها لحل مشكلات ملايين من سكان مصر الفقراء أمام الأضرحة الشهيرة في القاهرة انتظارًا لوصول شاحنات عملاقة تقلهم أكثر من ألف كيلو، حيث استغل الرواد حالة الانفلات الأمني الواضح في مصر لتكرر هذه المسيرات والمواكب التي حظرها الأمن طوال السنوات الماضية لتسلية الطريق الطويل الوعر، أبرزها تعليق مكبرات صوت وسماعات ضخمة على أسطح السيارات تصدح بقصائد مديح القطب الكبير وآل البيت خلال الموكب الذي يقطع مسافة عملاقة في بلد معروف بأزماته المرورية المتكررة.

رفض صوفي:

ولاشك أن المواكب العملاقة والطقوس الخاصة تشير للمكانة العظيمة التي يوليها الصوفية لهذا المولد، حيث يعتبرونه حجًّا أصغر، ويكررون فيه نفس الطقوس التي يحرص عليها رواد بيت الله الحرام؛ ففي الوقت الذي تشهد مكة المكرمة توافد 3 ملايين مسلم ليذكروا اسم الله في أيام معدودات فإن مولد الشاذلي يشهد طقوسًا مشابهة لطقوس الحج في مساس فاضح بركن ركين من أركان الإسلام، وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة.

وهي سلوكيات كانت محل انتقادات لاذعة ليس من قبل المرجعيات الدينية الإسلامية فقط بل جوبهت برفض شديد من قبل شخصيات صوفية محترقة في مقدمتهم الشيخ محمد الشبراوى، شيخ الطريقة الشبراوية الذي لام بشدة من أسماهم بالدخلاء على الصوفية، مشددًا على أن الحج لدى الطرق الصوفية هو حج عرفة وأداء مناسكه بكل خطواته، وأن ما يدعيه هؤلاء الدخلاء بأن مولد الشاذلي هو الحج الأصغر باطل، ولا ينتمي للإسلام وخارج عن تعاليمه.

فقدان الهوية:

بل إنه لم يكتف بذلك حيث اتهم هذا التيار الضيق بفقدان الهوية، حيث لم يعرف عنهم الانتماء لأي من الطرق الصوفية المعروفة أو كونهم أعضاء في المجلس الأعلى لهذه الطرق، والذي رفض طويلًا الاعتراف بهم أو نسبهم إلى أي طريقة، وهو موقف جاء انسجامًا مع تورط رواد المولد في عدد من الظواهر والسلوكيات الغريبة والإكثار من التمايلات الشديدة والحركات الهستيرية، في تكريس للمظاهر البدعية التي تتجلى في إصرار مجموعة من الرجال والنساء على صعود الجبال الشاهقة الموجودة أمام مقام الحسن الشاذلي مباشرة.

وحين يلح أحد الأشخاص على النزول من الجبل يردون بعنف أنهم يقفون هنا ولن ينزلوا من فوق ذلك الجبل إلا بعد انتهاء وقفة عرفات، كأن الأراضي الحجازية قد نقلت لجنوب مصر، متجاهلين ما قد تجره عليهم هذه المخالفات الشرعية من أوزار وذنوب كما عكسته انتقادات على لسان الشيخ عبد الباقي الحبيبي، شيخ الطريقة الحبيبية الذي اعتبر مثل هذه السلوكيات تقدم دليلًا على جهل كبير بأحكام الإسلام، منتقدًا اعتقادهم بأنهم عندما يزورون قبر شيخهم فإنها تعادل الحج، ولكن زيارة الولي لا علاقة لها بالحج، ولا توجد شريعة تقول ذلك، ولا تعترف بما يفعله هؤلاء.

طقوس غريبة:

ووصل الأمر مداه بحرص رواد هذا المولد على طقوس غريبة، حيث قاموا بنصب دائرة حول الشيخ طارق الرفاعي شيخ الطريقة الرفاعية ووكيل مؤسسي حزب التحرير، وأخذوا يلوحون بالسيوف، ثم نزلوا على ركبهم واحدًا تلو الآخر، ثم وضعوا السيوف على ألسنتهم، ثم يأتي دور الشيخ الشاب الذي يسنده اثنان من أتباعه ويصعد على الأكتاف ثم يضع قدماه الاثنان على السيوف الموضوعة على ألسنة الشباب، ثم يقف الشباب مرة أخرى بأمر من الشيخ، ويضعون سنون السيوف أسفل السرة والبطن دون ملابس على مقدمة السيوف، وهو ما يصيبهم بالرعب والخوف.

ولكن هذه المشاعر لا تجد أدنى اهتمام من قبل الشيخ الذي يأخذهم ويضعهم على أظهر الشباب الموضوع أسفل بطونهم السيوف، ويضربهم بالسيوف على بطونهم المعراة دون ملابس، ثم يصعد مرة أخرى للوقوف على ظهر السيف فوق بطونهم بشكل يعرض حياة هؤلاء للخطر المحيط برواد المولد من كل جهة، حيث أسهم الزحام والتدافع في إصابة العشرات من الرواد، بل إن العناية الإلهية أنقذت حياة عشرات الأشخاص عندما انفجرت اسطوانة غاز داخل إحدى الخيام إلا أن رواد المولد تكاتفوا لإخماده وإبقاء خسائره في الحد الأدنى.

خلافات فولكلورية:

وإمعانًا في الظواهر الغربية والسلوكيات البدعية لا يبدو غريبًا وقوع خلافات بين رواد المولد فيما يتعلق بسلوك فولكلوري مصري، حين يصر زائر مولد الشاذلي على مناداته بالحج سواء في حميثرة أو بعد عودته لمحل إقامته باعتباره أدي مناسك الحج الأصغر، لاسيما أن هناك إصرارًا بين عدد لا بأس به من الرواد على تكرار نفس مناسك الحج والطواف أمام قبر الشاذلي الذي تورد الروايات أنه مات أثناء قدومه من مراكش إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، خصوصًا أن هذا المولد يعقد في منطقة مقابلة للأراضي الحجازية، بل إنهم يقولون إن الشيخ مات وهو ذاهب للحج، فإن الله يقبلها منهم، خصوصًا أنهم يصرون على تكرار نفس طقوس الحج عبر الذهاب إلى المولد قبل يوم وقفة عرفة بثلاثة أيام.

وبعيدًا عن هذه المظاهر الوثنية والمخالفة لما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ فإن هذا المولد شهد تراجعًا ملحوظًا في عدد مريديه هذا العام من حوالي مليوني زائر إلى أقل من 250 ألفًا بفعل الاضطرابات الأمنية التي سادت مصر بعد الثورة وتدهور الوضع الاقتصادي، لاسيما أن هذه الموالد التي يقام على بعد حوالي 1000 كليو جنوب القاهرة يحتاج لتكاليف باهظة في الانتقال والإقامة، ويتطلب المشاركة فيه نذورًا وهدايا أصبحت تفوق طاقة المواطنين المصريين، وهو ما امتد للرواد العرب القادمين في المغرب والذين لم يتجاوز حضورهم العشرات هذا العام بعد أن كانت أعدادهم تقترب من الألفين خلال الأعوام الماضية في ظل الظروف السياسية والأمنية التي تشهدها مصر خلال الفترة الأخيرة.

حملات انتخابية:

ورغم تراجع أعداد رواد المولد إلا أن جهات عديدة حاولت استغلال هذا التجمع الكبير للترويج لعدد من المرشحين لانتخابات مجلس الشعب في مصر، وفي مقدمتهم شباب ائتلاف الصوفيين والذي سعى عبر منسقه العام مصطفي زايد للتأكيد على حرص الائتلاف على التواجد بقوة خلال المولد، الذي يعتبر قبلة مفضلة لأعداد كبيرة من الصوفيين والمريدين من أجل الترويج للمرشحين الصوفيين لانتخابات البرلمان، سواء المرشحين على المقاعد الفردية أو القائمة، بل إرشادهم عن طرق الاقتراع وتنمية وعيهم السياسي وحثهم على المشاركة والحشد خلال الانتخابات لتعزيز الوجود الصوفي في برلمان مصر ما بعد الثورة.

شراء الذمم:

ولم يقف الأمر عند حد استغلال بعض الصوفيين لهذا المولد لتحقيق مصالح سياسية وانتخابية، حيث تجاوز الأمر إلى قيام ما يطلق عليها الكتلة المصرية التي يهيمن عليها رجل الأعمال نجيب ساويرس للترويج لمرشحيها في مختلف أنحاء الجمهورية، حيث سعى ساويرس والذي يحظى بنفوذ كبير في محافظة البحر الأحمر لتقديم دعم مالي للمولد، والتكفل بتوفير مأكولات ومشروبات لرواده، وكأن المولد قد تحول لساحة لتنفيذ الأجندات السياسية وفرض النزعة العلمانية على الشعب المصري والعمل على استئصال شأفة الهوية الإسلامية لمصر.

وهو أمر يحظى بدعم ومباركة عدد كبير من شيوخ المجلس الأعلى للطرق الصوفية ومن بينهم علاء أبو العزايم شيخ الطريقة العزمية، وطارق الرفاعي شيخ الطريقة الرفاعية، والذي اصطحب معه شخصيات غير مسلمة تقدمهم سامح مكرم عبيد وأعضاء القائمة من مرشحي الكتلة المصرية لأحزاب المصريين الأحرار والتجمع والمصري الديمقراطي، الذين استغلوا هذا التواجد الضخم في الدعاية للكتلة وشرح برامج أحزابها، خاصة المتعلقة بتنمية السياحة المحرمة بين رواد المولد.

عداء سافر:

واستغل زعيم جبهة المعارضة الصوفية علاء أبو العزايم هذا الجمع الذي يعتبره فرصة ذهبية لتجييش وتعبئة الصوفية في الانتخابات البرلمانية الجاري الإعداد لها حاليًا لتوجيه رسائل سياسية، حيث أعرب عن استيائه لتقديم إجراء الانتخابات على إعداد الدستور، معتبرًا الأمر خطيئة وجاء نتيجة ما سماه بـ"التزوير في عقول البسطاء" الذي تمثل في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في منتصف مارس الماضي، وهو ما اعتبر غمزًا في قناة كل من الإخوان والسلفيين والذين لا يترك أبو العزايم المعروف بصلاته الوثيقة بإيران فرصة لانتقادهم إلا وأقدم عليها.

غزو فني:

وبالتوازي مع الرسائل السياسية التي استغل رموز الصوفية المولد لتمريرها فقد أبدى رواد المولد اهتمامًا كبيرًا بوجود خمسة من الفنانين الكوميديين المصريين داخل المولد، حيث حرصوا على التقاط صورًا لهؤلاء الفنانين معهم، بل وتبادلوا عبر هواتفهم النقالة هذه الصور، بل وأمطروا الفنانين المعروفين بأسئلة عديدة حول أفلامهم واللقطات الساخنة، وهل هي حقيقية أم لا؟ في مخالفة واضحة لما ينبغي أن يتمتع به الرواد في مولد يعتبرونه حجًّا أصغر.

بل إن هؤلاء احتفوا بشدة بهذا العدد من الفنانين الذين "تشذلوا" بحسب تعبير أحد الرواد بعد وجودهم مع الشيخ الإدريسي لفترات طويلة، بل إنهم حرصوا على خطب ود رواد المولد بذبح الأضاحي ونحرها وكأنهم في مكة المكرمة ولا حول ولا قوة الا بالله.