كان من الطبيعي أن تتكامل المنظومة المنكودة بعد الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإساءة إلى أصحابه وتجريحهم ، فشحذت أقلام سوداء للتشكيك فى نقائهم وعلمهم ومصداقيتهم ، وكتب المستشرقين غاصة بهذا اللون الخسيس الذي يغذيه الحقد ، والتعصب ، والجهل ، أو التجاهل ، والعمى ، أو التعامي.
ولكن الأكثر إيلاما أن نرى من بني جلدتنا الذين يتكلمون بلساننا ، و" يعتنقون " ديننا من هبط إلى هذا الدرك بصورة قد تكون أكثر إسرافا وشططا . ومن هؤلاء نختار الكاتب : محمود أبو رية .
ونبدأ بمحمود أبي ريه وكتابه المسموم عن أبي هريرة رضي الله عنه :محمود أبو رية شيخ مصري
لم يكمل تعليمه الأزهري ، وأخفق في الحصول على الثانوية الأزهرية ، بدأ نشاطه التأليفي بكتاب تافه جدا سماه
( أضواء على السنة المحمدية ) .والكتاب مشحون بالأكاذيب والأغاليط ، وقد احتضنه بعض الأدعياء ، ولكن الكتاب لم يحقق لأبي رية الشهرة التي ينشدها ، فأراد أن يتقدم خطوات غير مشروعة لتحقيق مزيد من الشهرة ، وقد رأى كيف سلطت الأضواء على " على عبد الرازق " – القاضي الذي كان مجهولا مغمورا – إلى أن خرج على المسلمين بكتابه الحقير الذى أنكر فيه الحاكمية في الإسلام ، وسمي كتابه
(الإسلام وأصول الحكم ). ورأى كيف استقطب " طه حسين "
أضواء الشهرة بكتابه عن الشعر الجاهلي الذى أنكر فيه وجود إبراهيم واسماعيل – عليهما السلام !!!
رأى " أبو رية " ذلك فأراد أن يحقق من الشهرة أقصى درجاتها ، فكتب كتابه
( شيخ المضيرة : أبو هريرة ) . وفي الكتاب – بل كل الكتاب – طعن في الصحابي الجليل ، بل في الإسلام ورسوله ، كما سنرى .
ولسنا في مقام الرد الشامل على هذا الكتاب ، أو الكتاب الذي أصدره قبله ، فهناك كتب كثيرة تصدت لتفنيد كل ماجاء في الكتاب الأخير بصفة خاصة .
ومن أهم هذه الكتب كتاب الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " ، وكتاب الأستاذ عبد الرحمن عبد الله الزرعي " أبو هريرة وأقلام الحاقدين ".
ولكننا في هذه العجالة سنكتفي بنقل بعض العبارات من كتاب " أبي رية "( في طبعته الثالثة ) ، لنتبين منهجه في رسم صورة مشوهة للصحابي الجليل أبي هريرة، لنرى هل كان أبو رية هذا عالما مجتهدا – كما ذهب بعضهم أو أحدهم :
عنوان الكتاب يبين ابتداء عن سوء قصد المؤلف ؛ فالمضيرة لون من الطعام كان أبو هريرة يحبه – ولا عيب ولاحرمة في ذلك – فقد ورد عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أنه كان يحب من الطعام " الدباء ولحم الطير " ، وتعاف نفسه أكل الضب ، ووصف أبي هريرة – في عنوان الكتاب – بأنه شيخ المضيرة يعطي انطباعا صارخا بأنه عاش كأشعب الطفيلي، لا همّ له إلا الطعام فتشويه شخصية الصحابي الجليل هدف واضح من عنوان الكتاب .
ومن عبارات أبي رية في الكتاب – ونحن ننقلها بالنص :---------------------------------------------------
1- " عاش ( ابو هريرة ) مجردا من القيم والمبادىء : !!!
فعندما نشب القتال بين علي ومعاوية في صفين كان أبو هريرة يأكل على مائدة معاوية الفاخرة ، ويصلي وراء علي ، واذا احتدم القتال لزم الجبل "
**********
عجبا يا " أبا ريه " !!!
وكأني بصفين التي طارت فيها آلاف الرؤوس معركة تدور في أحد البيوت ، لا في ميدان واسع الأرجاء ، مترامي الأطراف !! وكيف كان أبو هريرة يجد من الوقت ما يمكنه من مشاركة معاوية في وجباته اليومية الخمس أو السبع – كما أحصاهن أبو رية ( في كتابه ص 208 ) – ثم يستطيع أن يدرك " عليا " ليصلي وراءه خمس صلوات ؟
وهل كان علي – كرم الله وجه – يعلم بذلك أم لا ؟
وما قيمة الصلاة وراء علي ، وقد نقل أبو رية حديثا عن أبي هريرة نصه " الأمناء ثلاثة : جبريل وأنا ومعاوية " (ص.230) .
ألم يقتنع راوي الحديث بأن الصلاة وراء معاوية – وهو أحد الأمناء الثلاثة –
أجدر وأحق من الصلاة وراء علي ، أو – على الأقل – لايقل فضلها عن الصلاة وراء على ؟؟
***
2- " وأبو هريرة لا يصلح لخوض غمرات الحروب وحمل السيوف بل كان جبانا رعديدا " ص 72.
3- " وهو كذاب يحلف باليمين الغموس " (ص72)
4- " وهو مصاب بمركب النقص ، فهو من أجل ذلك يسعي ليستكمل هذا النقص ويخلع عن نفسه إزار الخمول والضعة ، ليستبدل به لبدة الأسد "!! (ص227)
5- " وهو مهين ، استخفه أشره ، ونم عليه أصله وطبعه ، فخرج على حدود الأدب والوقار " !! ( ص 241- 242) .
***
وأبو رية الذي يقطع بكذب كل مرويات " أبي هريرة " يسلم تسليما مطلقا بما يحكي في كتب القصص والمجالس والمسامرات إذا كانت تخدم غرضه . وعلى سبيل التمثيل يذكر أن معاوية كان يأكل كل يوم خمس أكلات ، وآخرهن أغلظهن ، ثم يقول " ياغلام : ارفع ، والله ما شبعت ، ولكن مللت " ، وأنه أكل مرة عجلا مشويا مع دشت من الخبز السميذ ، وأربع خراف ، وجديا حارا ، وآخر باردا , سوي الالوان !! ص 208 .
وهذا يعني أن معاوية كان يلتهم في الوجبه الواحدة ، أو في اليوم الواحد ، من اللحم فقط – مالا يقل عن مائة كيلو جرام ، أي ما يكفي لاشباع ثلاثمائة من البشر ، أو خمسين اسدا ( في الوجبة الواحدة ) !! ولوصدقنا " أبا رية " لكان معاوية من أشهر أصحاب " المعجزات " والخوارق في التاريخ ! نعم فمثل ذلك أكبر من أن يكون من قبيل الشراهة والنهم .
إن هذا الخبر الأخير – ومثله كثير – يكشف عن طبيعة " منهج الحياد والإنصاف " الذي ادعاه أبو رية ، وكأنه لا إنصاف ولا حياد إلابتجريح الصحابة والتهجم على قيم الإسلام .
ولنعد إلى " أبي هريرة " ونسأل " العالم المجتهد " أبا رية ":
أين كانت عبقرية رسول الله - صلي الله عليه وسلم – وهو الحصيف البصير القدير على سبر أغوار النفوس- حتى يقرب إليه رجلا " ممسوخ النفس والعقل والعقيدة " مثل أبي هريرة (كما صوره أبو ريه)؟!!
وأعتقد أن أبا رية لو خلع على رأس النفاق عبد الله بن أبي أبن سلول , أو أبي جهل ما خلعه على أبي هريرة من صفات لكان في ذلك غلو ، وشطط ، وإسراف .
***
ولنترك ما خلعه " أبو رية " على من نقدره من أمثال الدكتور مصطفى السباعي ،
فقد سبه بقوله : "إنه عُـييْـر وحده في فن الهجاء " ص 30 ،
ووصفه لمحب الدين الخطيب بأنه " ناصبي جاهلي " ص 30، 208 . بل يرى في كل شيخ أزهري " مفتقرا للنزاهه والعدل " ! ص 11.
لنترك كل أولئك لنرى " أدبه " مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " !! إنه لا يذكر اسمه مشفوعا بالصلاة والسلام عليه إلا قليلا جدا . ولكن دعك ايضا من هذا ؛ فقد يحتج للرجل بالنسيان " أو إغفال المطبعة . لننظر إلى بعض ماسجله في كتابه بالنص :
"... ولو أن النبي قد عهد إلى أبي هريرة وحده أن يكون راوية الإسلام للناس كافة لكنت أول كافر به ، ولا أبالي" ص 7
والضمير في (به ) يحتمل الرجوع إلى أبي هريرة ، ويحتمل كذلك الرجوع إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وفي كلتا الحالتين يكون الكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام- واردا وذلك رفض صريح لأمر الله الذي جاء في آيات كثيرة منها قوله تعالي " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب "( الحشر 7)
- وقوله تعالى : " يا أيها الذين آمنو أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "( النساء :59)
- وقوله تعالى " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " ( النساء : 65)
فالكفر بمن عهد إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم - هو الكفر نفسه برسول الله بلا تفريق في الحالين . والكفر برسول الله – صلى الله – وأوامره .. إنما هو كفر بالله – سبحانه وتعالي وأوامره .
ولا حول ولا قوة الا بالله